أعلن عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني يوم 10/1/2018م، لوكالة الأناضول أن السلطة الفلسطينية أُّبلغت ببنود ومقترحات "صفقة القرن"، التي أعدتها الإدارة الأميركية، عبر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأنها بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية.
بعد تصريحات المجدلاني وهو شخصية مقربة جداً من مركز صناعة القرار الفلسطيني ومطلعة على تفاصيله بحكم طبيعة العلاقة التي تربطه بالرئيس محمود عباس وبحكم منصبه الرسمي كعضو لجنة تنفيذية، تنصلت السلطة من تصريحاته واعتبرتها لا تمثل القيادة الفلسطينية بل تمثله شخصياً.
إلا أن هذا التنصل لا يعني أن مجدلاني يصطنع الأخبار، بل هو تنصل دبلوماسي حتى لا يساء الفهم بأن المملكة العربية السعودية تدعم صفقة القرن على عكس ما جاء من تصريحات لخادم الحرمين الشريفين بأنه مع التوجهات الفلسطينية بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967م. ودليل على صحة حديث المجدلاني هو بيان المجلس المركزي برفض صفقة القرن، بما يؤكد أن السلطة استلمت بنود الصفقة ووجدت أنها مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية.
وحتى تاريخه لم ينشر أي طرف البنود الحقيقية لصفقة القرن، وحتى ما نشره مايكل وولف في كتابه نار وغضب حول صفقة القرن بأنها تمنح الضفة الغربية للأردن، وقطاع غزة لمصر، فإن كافة الوقائع على الأرض لا تدعم فرضية مايكل وولف. يبقى السؤال ما هي ملامح صفقة القرن...؟
من خلال متابعتي للتصريحات الأمريكية والإسرائيلية والسلوك الصهيوني على الأرض وبعض التسريبات العامة والخاصة فإنني ومن باب الاجتهاد الذي يحتمل الصواب والخطأ فإن أبرز ملامح صفقة القرن ما يلي:
أولاً: حق العودة
تصريحات نتنياهو المتكررة حول خطورة بقاء ووجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين على الاستقرار في المنطقة وكان آخر تلك التصريحات لرئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتانياهو في مستهل جلسة حكومية يوم 7/1/2018م: "الأونروا منظمة تخلد قضية اللاجئين الفلسطينيين وكذلك تخلد رواية ما يسمى بحق العودة".
واستطرد: "يبدو أن دور المنظمة يهدف إلى تدمير دولة (إسرائيل) ولذا فيجب على الأونروا أن تتلاشى وتزول".
وهو ما ينسجم مع سلوك إدارة ترامب حيث قررت يوم 5/1/2018م، تجميد تمويل قيمته 125 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وذلك بعد أيام من تهديد الرئيس دونالد ترامب بوقف تقديم مساعدات للفلسطينيين في المستقبل.
ما سبق يؤكد أن لا مكان لحق العودة وكافة القرارات الأممية ذات الصلة بقضية اللاجئين الفلسطينية في صفقة القرن.
ثانياً: القدس
إن جوهر الاستراتيجية الصهيونية يقوم على ضم الأراضي الفلسطينية بعد تفريغها من أكبر نسبة من السكان لضمان التفوق الديموغرافي لصالح اليهود، وإعلان يهودية الدولة، وما يجري بالقدس من تهويد وتضييق وقضم للأراضي ومصادرتها وضم كتل استيطانية لحدود القدس ومقابل ذلك إخراج قرى عربية من حدود القدس وإصدار تشريعات لقوننة ذلك.
الموقف الأمريكي تجاه القدس عبر عنه ترامب بوضوح عبر قراره الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال ونقل السفارة إليها ودعوة الدول لترسيخ الواقع الجديد تحت طائل سياسة العصا والجزرة.
ما سبق يؤكد أن القدس خارج حسابات صفقة القرن، أو على أقل تقدير موجودة لصالح دولة الاحتلال وكعاصمة موحدة لهم، وربما تطالب الصفقة بحرية عبادة المسلمين في المسجد الأقصى.
ثالثاً: الدولة الفلسطينية
بات من الواضح أن السقف الأدنى الذي قبل به الفلسطينيون بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967م أي على ما نسبته 22% من الأرض الفلسطينية مقابل 78% لليهود، لم يعد قائماً بل عين (إسرائيل) على الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية وهو ما عبر عنه يوم 15/2/2017م نتانياهو في مؤتمره الصحفي مع دونالد ترامب عندما قال: الصين للصينيين واليابان لليابانيين ويهودا لليهود، ويهودا هنا تضم القدس والخليل وأجزاء من بيت لحم.
أيضاً المشاريع الاستيطانية وسياسة الأمر الواقع ومجالس المستوطنات ودور الإدارة المدنية المتزايد بالضفة الغربية يؤكد أن الدولة الفلسطينية على أجزاء من الضفة وفق صفقة القرن ستكون أشبه بكانتونات أو روابط قرى أو حكم ذاتي (إدارة مدنية) وقد يتجاوز ذلك لفكرة ضم الضفة الغربية، وإقامة دولة غزة الكبرى، وهذا السيناريو له متطلبات دفعت إدارة ترامب بأن تعطي الضوء الأخضر لتحقيق مصالحة وطنية تعيد قيادة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، وما يدعم ذلك تصريحات مختلفة سواء للوزير الليكودي أيوب قرا أو حتى طوني بلير والعديد من أعضاء الكنيست الصهاينة، وما يحدث في سيناء من عمليات إرهابية الهدف منها إضعاف الدولة المصرية وتفريغ سيناء من سكانها، وكي وعي المواطن المصري لسهولة التنازل عنها.
الخلاصة:
بات من المؤكد أن صفقة القرن مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية يعمل على تنفيذها الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وفي الخفاء تعمل أطراف أخرى لتمريرها.
إن ما يجري من حصار مشدد على قطاع غزة تشارك فيه أطراف مختلفة بقصد أو دون قصد يتماهى مع صفقة القرن، ودفع المواطن بالقبول بالقليل في سبيل البقاء على قيد الحياة وضمان العيش الكريم بحده الأدنى، هذا ما يحصل بالضبط وسط ضعف الحالة الفلسطينية نتيجة الانقسام، وضعف الحالة العربية والاسلامية نتيجة الفتن الطائفية والانقسامات السياسية، وتواطؤ العالم مع مصالح (إسرائيل)، وبذلك نجحت (إسرائيل) في علوّها، ولكن ما زال الشعب الفلسطيني مؤمنا بعدالة قضيته، وأن أي مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية مصيره الزوال، فليس كل ما يتمناه الأعداء ممكن أن يتحقق، والتاريخ شاهد على ذلك.