لماذا يلجأ نواب من المجلس التشريعي الفلسطيني من أبناء حركة فتح إلى الصليب الأحمر الدولي للاحتماء به؟! وما دلالات الحدث في ضوء النظام السياسي الفلسطيني؟!
أولًا يجدر بالقارئ أن يعرف أن الرئيس محمود عباس هو من اتخذ قرار رفع الحصانة التشريعية عن النواب، وأنه استند إلى قرار الرفع على تفسير المحكمة الدستورية التي سبق أن شكلها هو أيضًا بمرسوم رئاسي مخالفًا النظام السياسي الفلسطيني. ويجدر بالقارئ أن يعرف أن النواب المعنيين هم على خصومة سياسية مع الرئيس محمود عباس نفسه، وعباس يضمهم إلى فريق محمد دحلان، والأخير متهم بالاختلاس ومحكوم بالسجن لمدة ثلاث سنوات؟!
ولكن قبل هذا يجدر بنا أن نسأل: هل لدينا نظام سياسي فلسطيني؟! وهل يحظى النظام الموجود على ما به من نقص باحترام السلطة التنفيذية وعباس على وجه الخصوص؟! إنه إذا كان عندنا نظام سياسي يشرحه القانون الأساس الفلسطيني، وهو في حاجة إلى الاستكمال والتطوير، فإنا لم نلمس له احترامًا من السلطة التنفيذية منذ أن فازت حماس في انتخابات ٢٠٠٦م.
إن احترام القانون الأساس الفلسطيني كان يمكنه أن يطمئن النواب الأربعة ويمنع لجوءهم إلى الصليب الأحمر للاحتماء بحصانته من تغول أجهزة أمن السلطة التنفيذية في رام الله؟! إن خوف النواب الأربعة من الممارسات الكيدية من عباس وأجهزته هو ما دفع هؤلاء من ترك بيوتهم وأعمالهم والاعتكاف في مقر الصليب الأحمر.
الخائفون من الكيد يملكون بعض الحق في تصرفهم، فهم لا يملكون تصرفًا أفضل منه، والمجتمع الفلسطيني في شغل عنهم ولا يقدم لهم الحماية من التغول. الرأي العام الفلسطيني في مجتمعنا متهم بأنه ما زال متخلفًا عن مجتمعات الرأي العام في العالم، والقضاء الفلسطيني متخلف أيضًا عما تعرفه الدول المتقدمة من قضاء متقدم ونزيه.
كان يمكن للأربعة (لاحظ أنهم جميعًا من فتح وليس من فصيل آخر) أن يلجؤوا إلى القضاء لو كانت لديهم قناعة باستقلالية القضاء وبجدوى اللجوء إليه؟! وكان يمكن لهم التعويل على الرأي العام الفلسطيني لو كانت لديهم القناعة بأن هناك رأيًا عامًا راشدًا خارج الراتب الشهري والوظيفة الحكومية؟! إنهم حين فقدوا وسائل الحماية الشرعية لجؤوا إلى الصليب الدولي.
إن قصة الأربعة تعلن بشكل مباشر عن غياب شبه كامل للمجلس التشريعي، وغياب للرأي العام، وغياب للقضاء النزيه، وبالمجمل غياب أيضًا للنظام السياسي الفلسطيني، والموجود من النظام السياسي فقط هو سلطة تنفيذية تتحكم فيها ديكتاتورية فردية، لا تلتفت كثيرًا للرأي العام، وتحاول أن تمارس تصفية حسابات داخلية شخصية لا علاقة لها بالعمل العام الذي ينظمه القانون الأساس الفلسطيني، والعرف العام الفلسطيني.