فلسطين أون لاين

القدس والنيل

كلنا تابع بصدمة التسجيلات الصوتية التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز قبل بضعة أيام، والتي تثبت أن نظام السيسي موافق على الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي رغم تنديده العلني بقرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب، بل ان الامر تعدى الموافقة على القرار الى الموافقة على فكرة ان تكون القدس عاصمة للاحتلال ومدينة رام الله عاصمة للدولة الفلسطينية "المنتظرة"، وقد استند ضابط المخابرات المصري الى أمرين من اجل اقناع اعلاميين وفنانين مصريين للمساهمة في تشويه وعي الشعب المصري لقبول المؤامرة ضد القضية الفلسطينية، الامر الاول ان مصر تحاول رفع المعاناة عن شعب فلسطين، أما الامر الثاني فهو عدم وجود فرق بين رام الله والقدس.


لا بد لي كفلسطيني يعيش تحت الاحتلال الاسرائيلي ان أذكر العرب والمسلمين وعلى وجه الخصوص الشعب المصري العظيم أن معاناتنا لا تتمثل في قتلنا وسجننا وحصارنا فقط، بل في احتلال وطننا وتهويد مقدساتنا، أما القتل والسجن والحصار فهي ضريبة ندفعها من اجل عزتنا وكرامتنا وتحرير وطننا، ونحن لا نريد ولا نقبل أي مساعدة عربية من شأنها ان تسهم في حرماننا من الوطن بذريعة رفع المعاناة، نحن لم نتعب ولم نيأس ولا حاجة لنا بأمن ذليل وأمان مهين، وإن كنتم تريدون تحالفات مع المحتل الاسرائيلي فلا تجعلونا جسرا لعبوركم الخسيس واستسلامكم الرخيص.


أما القول إنه لا فرق بين القدس ورام الله فهذا مما يقال فيه: " شر البلية ما يضحك"، فقبل عدة اسابيع فقط انتفض اعلام السيسي وقضاؤه ونقاباته لأن الفنانة شيرين عبد الوهاب قالت ان الشرب من مياه ايفيان الفرنسية افضل من الشرب من مياه نهر النيل لأن فيها بلهارسيا، ومع ذلك لم تنج الفنانة من العقوبة والانتقاد والشتم واللعن، علما بأن السيسي ذاته تنازل عن جزء كبير من حصة مصر من نهر النيل لصالح اثيوبيا حين وافق على مشروع سد النهضة.


من المفترض ان الجهات الامنية المصرية الحريصة على " سمعة" نهر النيل _الآيل الى الجفاف _ الا تسمح بالتقليل من شأن القدس في عيون المسلمين والمصريين، وانني ارى انه من العيب ان أذكرهم بأن في القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين قبل ان تكون القدس عاصمة لفلسطين، والصلاة في الأقصى تعدل 500 صلاة في رام الله او حتى في الأزهر الشريف بشرط الا تكون الزيارة الى القدس تطبيعية كما تفعل بعض الوفود العربية، فأولئك لا صلاة مقبولة لهم في القدس طالما دخلوا فلسطين والقدس بمباركة اسرائيلية وتحت حراب اليهود او " حراستهم"، وهنا لا بد من التذكير بفتوى لعلماء المسلمين انه لا تجوز زيارة القدس للمسلمين من خارج فلسطين الا للفلسطينيين فقط بغض النظر عن الجنسية التي يحملونها، أما العرب والمسلمون فلا يجوز لهم التوجه الى فلسطين الا من اجل تحريرها، أما الدعوات الفلسطينية التي توجه للعرب والمسلمين لزيارة القدس فهي دعوات سياسية باطلة شرعا ومرفوضة من غالبية الفلسطينيين، وهي أحد مخرجات اتفاقية اوسلو التي نبذها شعبنا ولم تنفذ " اسرائيل" منها أي بند فيه مصلحة للفلسطينيين، كما ان منظمة التحرير التي وقعتها مع المحتل الاسرائيلي تعترف الان أنها اتفاقية فاشلة وتهدد بالتبرؤ منها والتنصل من جميع الاتفاقات التي وقعتها مع المحتل.


ما جاء في التسريبات التي كشفتها صحيفة نيويورك تايمز يشير فقط الى احد خيوط المؤامرة على القضية الفلسطينية، قد تكون التسريبات جزءا من تهيئة الرأي العام المصري والعربي لما هو قادم وقد لا تكون، ولكن قبول العرب بالتخلي عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة والقبول برام الله أو ابو ديس هو ركن اساس في صفقة القرن التي يعمل الرئيس الامريكي دونالد ترامب على تسويقها للعرب وإجبار السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على قبولها، ولكن حسابات امريكا وبعض الانظمة العربية خطأ، والشعب الفلسطيني مستعد للمزيد من التضحية دفاعا عن فلسطين ومقدساتها وسيجد الجميع ان الشعب الفلسطيني لا يمكن تجاوزه أو تجاوز فصائله المقاومة .