فلسطين أون لاين

​"سامح تُؤجر".. تكافلٌ يُظهر "المعدن الأصيل" للغزيين

...
أبو دلال (أرشيف)
غزة - صفاء عاشور

لم يكن يتوقع التاجر "محمد المصري" من بيت حانون شمال قطاع غزة أن يصل الحال بأحد المدينين له أن يرجوه بأن يعطيه سبعة شواكل من أجل شراء "ربطة خبز" لأهل بيته.

حال هذا الرجل جعل المصري يتخذ قرارًا بـ"إعفاء جميع الزبائن من الدين القديم المتراكم عليهم بسبب الظروف المادية الصعبة، بالإضافة إلى تخفيف الأسعار لتتناسب مع الجميع"، وقد نشر قراره هذا عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".

المصري، الشاب الذي لم يتجاوز الثلاثين، والمسئول عن إخوته الستة بعد وفاة والده، افتتح مشروعه الخاص وهو محل للبناشر وإطارات السيارات، لينعم الله عليه بفضل كبير، إذ تمكن هذا العام من افتتاح فرع آخر لمحله.

وبعد ملامسته لأوضاع الناس الاقتصادية وإحساسه بأن المواطنين يعيشون في حالة صعب للغاية، وأن التعفف فقط هو ما يخفي معاناة الكثير منهم، أراد أن يساعدهم من خلال التخفيف عن أصحاب الديون المتراكمة له وإعفائهم منها جميعاً.

قال المصري لـ"فلسطين": "وضع المواطنين في القطاع صعب للغاية، وبعدما أجريت جردًا للديون المتراكمة لي على الناس خلال العامين الماضيين، وجدتها تتجاوز 10 آلاف دولار".

وأضاف: "عندما أجد أن أصحاب هذه الديون أصبحوا يخجلون من المرور من أمام محلي، أو أرى نظرات الذل والحسرة في عيونهم نتيجة فقرهم وعدم قدرتهم على سداد الدين المتراكم عليهم، أشعر أن من واجبي أن أخفف عنهم سوء أوضاعهم الاقتصادية قدر استطاعتي".

وتابع: "أنا لست مليونير، ولا أملك أموالًا طائلة، ولكن إحساسي بحجم المأساة التي يعيشها أبناء القطاع، والتي وصلت إلى وضع كارثي غير مسبوق، جعلني أتخذ هذه الخطوة التي آمل أن يقوم بها غيري من التجار القادرين على المسامحة والعفو عن الناس".

وأوضح أنه يدرس في الفترة الحالية مع عدد من التجار تأسيس جمعية أهلية تهدف لسداد ديون المواطنين المسجونين على ذمم مالية، فمن وجهة نظره "حبس المستدينين ليس حلاً، ويعمل على تدمير البيوت بسبب غياب الرجل عنها".

إعفاء كامل

وعلى خطاه، أعلن التاجر أسامة أبو دلال من النصيرات (33 عاما)، وصاحب معرض أبو دلال للأحذية، عن مسامحة جميع الزبائن من الديون المتبقية عليهم، سواء من المواطنين أو التجار أو الموظفين، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية المنهارة في القطاع.

وقال لـ"فلسطين": "بعدما رأيت ما كتبه التاجر محمد المصري، لم أفكر كثيرا في اتخاذ نفس القرار، فأوضاع الناس الاقتصادية متدهورة للغاية والجميع يلمس ذلك، لذا، ومن باب المبادرة والإحساس بالآخرين والرغبة في نيل رضا الله اتخذت قراري بالمسامحة".

وأضاف: "أهالي القطاع يعيشون في حالة يرثى لها ويعانون من ضغوط اقتصادية واجتماعية صعبة، لذلك لا بد أن يقوم القادرون على المساعدة بالتخفيف من وطأة هذه الضغوط".

وبين أن الديون المتراكمة على الناس منذ عدة سنوات وليست جديدة، لذلك فإن المبلغ الذي تم إعفاء الناس من سداده ليس قليلا، مستدركاً:" ولكن (ما نقص مال من صدقة) كما قال الرسول، وأجرنا على الله، فالنية خالصة لوجه الله".

وأوضح أبو دلال: "من أعفيتهم من سداد الديون هم من الأقارب والتجار والإخوة الذين وقفوا معي في وقت الشدة، وما أقوم به مجرد ردّ لجزء بسيط من الجميل"، لافتاً إلى أنه يعمل رجل إصلاح ويدعو الناس للعفو عن بعضهم في حالات سداد الديون وأراد أن يطبق عمليا ما يدعو له الناس.

نطاق أوسع

شيئا فشيئا، انتشرت الفكرة، وخرجت من نطاق التجار إلى نطاق المجتمع كله، ولم تعد المسامحة مقصورة على الديون، وإنما كلٌ يشارك بما يستطيع.

منذ أن أعلن المصري عن قراره، الثلاثاء الماضي، كتب الكثير من الغزيين عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي عن مشاركاتهم، تحت وسم "سامح تُؤجر"، إذ أعلن أطباء عن تخفيض قيمة الكشف في عياداتهم، كما تعهد محامون بتقديم استشارات مجانية وكتابة عقود المستأجرين لغير القادرين مجانا، وكذلك أعلنت بعض محلات الألعاب والملاهي والمتنزهات أن يوم الجمعة يوم ترفيهي مجاني للأطفال والعائلات للتخفيف عنهم بسبب الظروف الصعبة في القطاع، بالإضافة إلى الكثير من المساهمات المشابهة.

وأخذت الحملة طابعا أكثر تنظيما في بعض المناطق، حيث تبنى الفكرة شباب أعلنوا عن جمع التبرعات في مناطقهم.