على عكس الأطفال الذين هم في مثل سنها لا تحظى حلا بكير بسويعات مرح ونزهة خلال إجازتها الأسبوعية أو السنوية، في فناء منزلها شرقي القدس المحتلة، أو بأحد المتنزهات القريبة، والسبب بذلك يعود إلى الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه لا غير.
وتحلم بكير ذات الأعوام العشرة بزوال الاحتلال عن مدينتها المقدسة، كي تنال حقها في اللعب بحرية مع أقرانها في الحي، والخروج صباحًا إلى مدرستها بهمة ونشاط، دون أن تتوقف عند الحاجز العسكري الاحتلالي المجاور لمنزلها، وإلى أن تأتي تلك اللحظة تعبر عنها بالرسم والألوان.
وتعاني بكير كبقية أطفال القدس من سلب الاحتلال لحقوقهم الأساسية المنصوص عليها في ميثاق حقوق الطفل الدولي، المقر من الجمعيّة العامّة للأُمَم المتّحدة عام 1989م، الذي تضمن 54 مادة تكفل حقوق الأطفال، كالحق في الحياة والحرية والهوية إلى جانب التعليم والصحة.
وبكلمات متقطعة ممزوجة بالبراءة والوجع تقول حلا لصحيفة "فلسطين": "كل ما بدي أطلع على الشارع أو أقف على شباك البيت بحكي المستوطن أبو طاقية: "روحي من هون"، فبروح أدخل عند ماما وبقعد أرسم القدس والأشجار والملاهي".
والدة حلا تتحدث بدورها عن المعاناة التي تلقاها في سعيها إلى الحصول على حقوق طفلتها وأشقائها كذلك قائلة: "لا يتعامل المستوطنون والجنود (في جيش الاحتلال) مع الصغار هنا في أحياء شرقي القدس كأطفال، فهم جميعهم دون استثناء عرضة للضرب والاعتقال والقتل، وكذلك الخطف، وربما الحرق".
وتضيف لصحيفة "فلسطين": "منذ أن أقدم المستوطنون على حرق الطفل محمد أبو خضير سنة 2014م في أثناء ذهابه إلى صلاة الفجر بمسجد مخيم شعفاط نفرض على أطفالنا قيودًا، خشية على حياتهم من بطش الاحتلال، الذي لم يترك حقًّا وإلا وقد انتهكه".
وتتمثل تلك القيود في حظر خروج الأطفال من باب المنزل بعد الساعة الخامسة مساء، وعدم الذهاب إلى المدرسة إلا بصحبة أحد أفراد العائلة، ومنعهم من اللعب في الخارج أو المتنزه المجاور للمنزل، كون مستوطنة (بسغات زئيف) المقامة على أراضي حي بيت حنينا شمال القدس المحتلة لا تبعد عن منزل "بكير" إلا أمتارًا.
ويتبع الاحتلال سياسات عنصرية سعيًا إلى تفريغ أحياء القدس المحتلة من الفلسطينيين، سكانها الأصليين، وتفسيخ روابط الأسر الفلسطينية.
وأيضًا يمارس الاحتلال التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، ويشمل ذلك التضييق عليهم في العلاج بالمراكز الصحية، فضلًا عن تردي حال المدارس التعليمية التي تديرها بلدية الاحتلال، وإمكانية تعرض أفراد شرطة الاحتلال للطفل بالضرب والاعتقال، في أي وقت، دون أي سبب.
وتشير المعطيات الميدانية إلى عدم التزام الكيان الإسرائيلي باتفاقية حقوق الأطفال، التي وقعتها 193 دولة، منها كيان الاحتلال، في 20 من تشرين الثاني (نوفمبر) 1989م، وأكدت الاتفاقية أن الأشخاص دون سن الـ18 يحتاجون لرعاية خاصة، وأن لكل طفل حقًّا أصيلًا في الحياة.
معاناة مضاعفة
في السياق تقول نائبة مدير مركز "مدى" المتابع لانتهاكات الاحتلال في القدس سحر العباسي: "إن معاناة الأطفال الفلسطينيين لا تختلف تفاصيلها كثيرًا في غزة أو الضفة، لأن المتسبب بها طرف واحد، هو الاحتلال الإسرائيلي، ولكن الانتهاكات التي تمارس بحق الأطفال المقدسيين مضاعفة لخصوصية المكان".
وتؤكد العباسي أن الطفل المقدسي لا يتمتع بأدنى الحقوق الإنسانية المنصوص عليها دوليًّا، خاصة الحق في الحياة الآمنة الذي ينتهك باستمرار بفعل عمليات الإعدام الميدانية والاعتقالات العشوائية، وبقاء حياة الطفل في دائرة الخطر على مدار الساعة، بفعل "عربدة" المستوطنين في الشوارع والأحياء المقدسية.
وورد في المادة (19) من اتفاقية حقوق الطفل أن على الدول اتخاذ كل التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من العنف، والضرر، والإساءة البدنية أو العقلية.
وتنص المادة (٣٧) من الاتفاقية على أن الدول تتكفل بعدم إخضاع أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية المهينة، وألا يحرم أي طفل حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية.
لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي يومًا عن انتهاكاته لحقوق الأطفال الفلسطينيين، والمقدسيين منهم، وسط تطلعات إلى خطوات دولية تنصفهم وتردع الاحتلال.