لم تصل الجميلةُ للمدرسة، لقد سُجّلت في قائمة المتغيّبات، تسأل عنها الزميلات: أين ملك سلمان؟ فهي ليست على مقعدِها! سيكون اليوم مملًا من دونِها.. فابتسامتها التي لا تغادر شفتيها تعطينا أملًا وتفاؤلًا في يومنا الدراسيّ.. كان ذلك حديث الزميلات في مدرستها الثانوية.
وكيف تصل ملك وهي التي رفعت المدرسةَ في هذا اليومِ من حساباتِها؟! فهي لم تذهب إليها من الأساس، لقد ذهبت إلى "باب العامود" لتنتقم للأسيرات وبالأخص أخت معلّمتها شروق دويّات التي حكمت عليها محكمة الاحتلال بالسجن 16 عامًا بتهمة محاولة طعن.
بالأمس كان عيد ميلادِها الثامن عشر، تقضيه للمرة الثانية في سجن "هشارون"، وتترك في قلب أمّها حسرةً لا تنتهي إلا بخروجِها حُرّة.
تروي أم يوسف لفلسطين: "ملك هي ابنتي الكبرى وحبيبة قلبي التي تملّكته للأبد، لقد تركت فراغًا عميقًا في البيت حين فارقتنا، فكل البيت ينادي باسمها ويشتاق لها".
ملك التي عُرِفت بالنشاط والتفاؤل ومحبة الصديقات وطاعة الوالدين حكمت عليها محمة الاحتلال الإسرائيلي بالسجن عشر سنين، أمضت منهما عامين كاملين حفرا في قلب أهلِها ألمًا عميقًا.
تقول الأم: "إن إصدار أحكامٍ عاليةٍ بحق أطفالنا من قبل احتلالٍ سارق لبلادِنا لهو ظلمٌ وجرمٌ شنيع لا نقدر على تحمله لولا ثقة أطفالنا بأنفسهم وعزّتهم، وشعورهم بأنهم يناضلون بوقوفهم في وجه العدوّ من أجل تحرير البلاد والقدس خصوصًا".
وتضيف: "كلما أرى ابنتي تبتسم لي من خلف ذلك الزجاج اللعين أستمد القوةَ منها، إنها هي من تملؤني بالقدرة على التحدي والصمود أمام هذا الظلم، ولولا تلك الابتسامة لما تمكّنت من دخول البيت الذي تملؤه رائحة ملك، ففي كل زاويةٍ منه حكاية وضحكة".
وتتبع: "المحتل يتّخذ أحكامًا بالسجن عاليةً لأننا مقدسيون، إنها ضريبة انتمائنا للقدس ووجودِنا بين تلك المقدسات الشامخة، والتي يعتبرها محامي الاحتلال الإسرائيلي "خيانة" وبالتالي يكون هناك مبالغة واضحة في سنوات السجن بحقّنا".
وتتساءل: "أي قانون ذلك الذي يُحكم فيه على الطفلة بالسجن عشرة أو 15 عامًا بزعم محاولة طعن أو أي تهمة أخرى؟ إنه ليس إلا ذلك القانون الإجرامي للمحتل الإسرائيلي".
ويفترض أن تنتقل ملك إلى غرفة الأسيرات التقليدية لبلوغها 18 عامًا، بعد أن كانت في سجن القاصرات لمدة عامين، وفي تلك الأعوام لم تُدخِل أم ملك لابنتها إلا بعض الملابس الشتوية وكتاب يتم إرجاعه وإدخال غيره، فلا يمكن إدخال كتابين، إلى جانب كتاب القرآن الكريم.
فيما تخبر ملك أمّها بانها لن تخرج من السجن إلا وقد أتمّت حفظ كتاب الله تعالى، تعلق والدتها وقد ملأت الدموع عينيها اشتياقًا: "كانت ملك تستيقظ فجرًا فتوقظني وإخوتها للصلاة، بل وتتواصل مع زميلاتها عبر الهاتف لذات الأمر، وفي منتصف الليل كثيرًا ما كانت تستيقظ متشجعةً للصلاة والدعاء، فأرى الفجر يشرق في وجهها الصبوح".
وكم تشعر أم ملك بالحزن بعد أْن مرّ عامان ولم تحتفل عائلتها بيوم ميلادها في البيت وبرفقة صديقاتِها اللواتي كُنّ يجتمعن ويصنعن أجواءً من الفرح والسعادة.
توضح: "كانت شعلة البيت ونورَه، كنا نخرج معًا ونشاهد التلفاز معًا وكثيرًا من الأحيان ننام معًا لأن والدها يعمل مساءً، اليوم كل تلك الأشياء انتهت، لكنني أضع صورها في صالة البيت لأراها كل وقتٍ وحين وهي إن غابت عن عيني فلا تغيب عن قلبي لحظة واحدة".
والتقت ملك بعهد التميمي في السجن فتوصيها أمها بالاهتمام وبها والتخفيف عنها ودفعها للصرّ والإصرار، فتخبرها أن عهد هادئة صامتة رزينة على غير ما نراها أمام المحتلّ، تختار الوجه الآخر الرافض للظلم، المستعدّ للهجوم.