نجاح منفذي عملية نابلس، التي قتل فيها مستوطن مساء الثلاثاء الماضي، بالوصول إلى هدفهم، على مدخل البؤرة الاستيطانية "جفات جلعاد" إلى الغرب من قرية تل جنوب نابلس، وانسحابهم بسلام؛ له دلالات وانعكاسات عديدة.
أولى تلك الانعكاسات للعملية أنها أدخلت الفرحة والبهجة إلى قلوب الفلسطينيين، وملأت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات المباركة والثناء على المنفذين، وهو ما يعني زخما ودفعة معنوية قوية للمقاومة في الضفة المنكوبة بالاستيطان.
كما أن نجاح المنفذين بالانسحاب بسلام، يشير إلى ضعف منظومة الاحتلال الأمنية وهشاشتها، وأنها ليست بتلك الصورة النمطية المرسومة حولها، أو كما يحاول أن يروج الاحتلال أنها منظومة قوية ولا يمكن اختراقها، فلكل مدعٍ بالقوة نقاط ضعف، يعرفها جيدا من عانى من فرط هذه القوة الغاشمة.
ما أضاف نقلة نوعية للعملية هي هوية المستوطن القتيل غير المتوقعة، وقد تكون صدفة كون العملية جرت في الظلام، وهو الحاخام رزيئيل شيبح (35 عاماً)، من الموقع الاستيطاني "حڤات جلعاد"، الواقع غرب نابلس، وهو ابن المستوطن المعروف "موشي زار" الذي استولى على معظم أراضي المنطقة، ويسكن في بيت وحيد على قمة جبل في المنطقة، وهو من نفذ محاولة اغتيال بسام الشكعة رئيس بلدية نابلس.
باعتراف كتاب الاحتلال، فإن العملية نوعية وخطرة، وهي تمس أمن وحركة المستوطنين، وما ردة فعل وزير حرب الاحتلال "أفيغدور ليبرمان" بأنه ردا على العملية سيقوم بتكثيف الاستيطان، إلا لذر الرماد في العيون، فالاستيطان أصلا يتغول ساعة بساعة دون توقف.
الغريق لا يخشى البلل، وإغلاق نابلس لا يجدي الاحتلال نفعا، والضفة غرقى بالاستيطان والتهويد، والاعتقالات، والحط من كرامة الفلسطينيين على الحواجز، وأصبح الموت يتساوى مع الحياة للشعب الفلسطيني، فحلم الدولة تبدد مع قرار "ترامب"، ومع قرار ضم الضفة الغربية المحتلة وبناء مليون وحدة استيطانية جديدة، كما أعلن وزير إسكان الاحتلال "يؤاف غالانت".
قيام منفذي العملية بإطلاق النار بهذه الجرأة والدقة، دليل على أنهم وصلوا مرحلة متقدمة من التفكير والتخطيط للعملية، واستطاعوا التغلب على منظومة أمنية يعتقد البعض أنها قوية، وإلا كيف نجحوا بالتنفيذ والانسحاب بسلام، في ظل المراقبة الأمنية للطرق الالتفافية وحواجز الجيش المنتشرة بكثرة، ووجود الكاميرات على مفارق الطرق، وفوق المستوطنات.
يريد "نتنياهو" احتلالا بلا كلفة وناعما وهادئا؟ ولكن لكل فعل رد فعل، وما دام الاحتلال جاثما فوق الأرض الفلسطينية، فإن من يتحمل ما يحصل وما ينتج عنه من سيل متواصل للدماء، هو فقط الاحتلال، فحكومة "نتنياهو" ترفض إعطاء الفلسطينيين حقهم في العيش بكرامة وحرية وإقامة دولتهم كبقية شعوب الأرض، وراحوا يضمون الضفة لكيان الاحتلال، وكأنه لا وجود ولا اعتبار للشعب الفلسطيني فوق هذه الأرض.
الشعب الفلسطيني وقواه محبون للعيش بحرية وسلام، ولكن مع الاحتلال كيف يعيشون حياتهم بشكل طبيعي! فلا أحد في الكون يحب القتل، ومنظر الدماء وهي تسيل، فطبيعة الإنسان السوي جبلت على العيش بسلام وهناء وعمارة الأرض، لكن في ظل وجود احتلال يقتل ويجرح ويصادر ويطرد السكان الآمنين، فإن العلاقة عندها تتغير كرد فعل على الاحتلال، والمسئول فقط هو الاحتلال، كونه الفاعل على الأرض؛ باحتلالها، وكنتاج لهذا الاحتلال تولد المقاومة، والشعب الفلسطيني ليس استثناء.
ما الغريب في عملية نابلس؟ فأمر طبيعي جدا مقاومة الاحتلال بتعدد أنواع المقاومة، فعلى مدار التاريخ كانت العلاقة الطبيعية والروتينية لوجود احتلال فوق أرض عليها شعب، ليست التعايش معه، بل هي رفض هذا الاحتلال، الذي يأخذ صورا شتى وكثيرة بحسب قدرة وقوة الشعب الواقع تحت الاحتلال، وحنكة ودقة قواه الحية التي تقود خط مقاومة ورفض المحتل الغاصب بتخطيط جيد ومحكم.
لو لم يأتِ هذا المستوطن لفلسطين المحتلة لما قتل، ولو لم يكن يوجد احتلال فوق الأرض الفلسطينية، فإنه لن يكون هناك داعٍ لإطلاق نار على جنود الاحتلال والمستوطنين، وعند زوال الاحتلال تتوقف تلقائيا جميع عمليات المقاومة سواء كانت فردية أو مخططا لها من قبل فصائل وقوى فلسطينية.
توحي عملية نابلس؛ أنه على القوى الفلسطينية المجتمعة في المجلس المركزي بعد أيام، أن تسارع بالوحدة والمصالحة والاتفاق على برنامج وطني موحد، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس نضالية قبل فوات الأوان، فهل يفعلونها هذه المرة !؟