عمل الإسلام على تحرير العبيد بوسيلتين كبيرتين: هما العتق والمكاتبة.
الوسيلة الأولى: وقد شجع الإسلام على ذلك تشجيعاً كبيراً، فمن صور ذلك:
1. كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتق من الأرقاء من يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، أو يؤدي خدمة مماثلة للمسلمين.
2. كان بيت المال يشتري العبيد من أصحابهم, ويحررهم كلما بقيت لديه فضلة من مال.
3. نص القرآن الكريم على أن كفارة بعض الذنوب هي عتق الرقاب, كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على العتق تكفيراً عن أي ذنب يأتيه الإنسان، وذلك للعمل على تحرير أكبر عدد ممكن منهم، فانظر إلى كفارة القتل الخطأ, قال تعالى: [وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ] {النساء:92}, لذلك يقرر الإسلام التعويض عن الروح من جانبين: التعويض لأهلها بالدية المسلمة لهم، والتعويض للمجتمع بتحرير رقبة مؤمنة! فكأن تحرير الرقيق هو إحياء لنفس إنسانية تعوض النفس التي ذهبت بالقتل الخطأ. والرق على ذلك هو موت أو شبيه بالموت في نظر الإسلام، على الرغم من كل الضمانات التي أحاط بها الرقيق، ولذلك فهو ينتهز كل فرصة لإحياء الأرقاء بتحريرهم من الرق.
4. يذكر التاريخ أن عدداً ضخماً من الأرقاء قد حرر بطريق العتق، وأن هذا العدد الضخم لا مثيل له في تاريخ الأمم الأخرى.
الوسيلة الثانية: المكاتبة، وهي منح الحرية للرقيق متى طلبها بنفسه، مقابل مبلغ من المال يتفق عليه السيد والرقيق, والعتق هنا إجباري لا يملك السيد رفضه ولا تأجيله بعد أداء المبلغ المتفق عليه. وإلا تدخلت الدولة لتنفيذ العتق بالقوة، ومنح الحرية لطالبها.
ومنذ اللحظة الأولى التي يطلب فيها المكاتبة يصبح عمله عند سيده بأجر، أو يتاح له إذا رغب أن يعمل في الخارج بأجر، حتى يجمع المبلغ المتفق عليه.
ومثل ذلك قد حدث في أوربا في القرن الرابع عشر بعد تقرير الإسلام له بسبعة قرون, مع فارق كبير لم يوجد في غير الإسلام، وهو كفالة الدولة للأرقاء المكاتبين - وذلك إلى جانب مجهود الإسلام الضخم في عتق الأرقاء تطوعاً بلا مقابل، تقرباً إلى الله ووفاء بعبادته.
قال تعالى: [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] {التوبة:60}
فتقرر أن الزكاة تصرف من بيت المال لمعاونة المكاتبين من الأرقاء لأداء ثمن التحرير، إذا عجزوا بكسبهم الخاص عن أدائه.
وبهذا وذاك يكون الإسلام قد خطا خطوات فعليه واسعة في سبيل تحرير الرقيق، وزاد على هذا التطور عناصر كرعاية الدولة وحسن المعاملة وعتقه تطوعًا.
لماذا لم يخط الإسلام الخطوة الحاسمة، فيعلن صراحة إلغاء الرق من حيث المبدأ؟
وللإجابة على هذا السؤال ينبغي أن ندرك حقائق اجتماعية ونفسية وسياسية أحاطت بموضوع الرق، وتحرير الرقيق بإصدار, والتجربة الأمريكية في تحرير الرقيق بجرة قلم على يد أبراهام لنكولن خير شاهد لما نقول، فالعبيد الذين حررهم لنكولن - من الخارج - بالتشريع، لم يطيقوا الحرية، وعادوا إلى سادتهم يرجونهم أن يقبلوهم عبيداً لديهم كما كانوا، لأنهم لم يكونوا قد تحرروا بعد من الداخل.
فالحياة عادة والملابسات التي يعيش فيها الإنسان هي التي تكيف مشاعره, وتصوغ أحاسيسه وأجهزته النفسية والكيان النفسي للعبد يختلف عن الكيان النفسي للحر، وهذا التكيف النفسي لا يذهب به إعلان تصدره الدولة بإلغاء الرق. بل ينبغي أن يغير من الداخل، بوضع ملابسات جديدة تكيف المشاعر على نحو آخر وذلك ما صنعه الإسلام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا