أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) في السادس من ديسمبر الماضي. وفي خضم ردود الفعل المحلية والعربية والدولية على القرار المنحاز لـ(إسرائيل) بشكل سافر، فاجأ العالم مرة ثانية على لسان سفيرته في الأمم المتحدة نيكي هيلي بأن بلادها ستوقف 125 مليون دولار من مساعداتها للأونروا حتى تعود السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات مع (إسرائيل). العلاقة بين القرارين واضحة، فكلاهما يتعامل بطريقة حاسمة وقسرية مع أهم قضايا الحل النهائي التي أجلتها اتفاقية أوسلو، والتي كان من المفترض – وفقاً لأوسلو – حلها عبر التفاوض، لكن الإدارة الأمريكية الجديدة رأت أن الوقت مناسب جداً لفرض رؤيتها الصهيونية بحسم هذه القضايا لصالح (إسرائيل) غير مبالية بأية ردود أفعال عربية أو دولية، لأسباب:
1- أن منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها جاهزتان للتعاطي مع أي حل، ففي كل مرة تعاطت منظمة التحرير مع الحلول والمبادرات المطروحة مهما كانت، بدءاً بأوسلو، وكامب ديفيد الثانية، والمبادرة العربية، ومبادرة جورج تينيت، وميتشل، وخارطة الطريق، وأنابوليس، ومقترحات كلينتون، وأوباما. فما الذي سيغيِّر طريقة تعاطيها مع الحل الأمريكي، خصوصاً إذا ما تم إعفاؤها من إعلان الموافقة، فيكفي تمرير الموضوع مع إدانة ظاهرية.
2- الأنظمة العربية أيضاً في أكثر أوضاعها جاهزية لتمرير أخطر المخططات بشأن القضية الفلسطينية. فبعد الردة على الربيع العربي، أدركت بعض الأنظمة العربية أن القضية الفلسطينية أهم محرِّك لعاطفة الشعوب وطاقتها، وأن (إسرائيل) صديقة هذه الأنظمة التي تسندها وتدعمها، فوجب التخلص من القضية الفلسطينية وكسب (إسرائيل) ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية. لقد أفصحت التسريبات المصرية الأخيرة عن أن النظام العربي يخشى الهبّات الفلسطينية ويعتبرها رافعة لما يسميه بالإسلام السياسي، كما أفصحت هذه التسريبات عن الاستعداد الكامل للتخلي عن القدس، والتظاهر بعكس ذلك، وبالحرص على تحقيق المطالب الوطنية الفلسطينية في دولة تكون رام الله عاصمة لها.
3- وإذا كان هذا حال الموقفين الفلسطيني والعربي، فهل تخشى الإدارة الأمريكية بعدهما أي موقف دولي آخر؟! لأن الموقف الفلسطيني هو الحصى الصغيرة التي تسند صخرة الجبل الضخمة، وبدونها تتهاوى الصخرة وينهار الجبل.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد قيّمت ردود الفعل بشأن قرار القدس، بأن الوقت مناسب للاستمرار، فكانت الخطوة التالية تجميد حوالي نصف مساعداتها للأونروا إلى أن تعود السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات. لا توجد أية ضمانات بعودة المساعدات للأونروا حتى لو عادت السلطة للتفاوض. لا توجد ضمانات بعدم عودة السلطة للتفاوض. وما فائدة التفاوض على قضايا الحل النهائي والإدارة الأمريكية تصفيها واحدة تلو الأخرى، و(إسرائيل) تفرض وقائع متسارعة على الأرض تستبق بها أية مفاوضات محتملة، ولأجل ذلك بدأت تشترط شروطاً صعبة على السلطة للعودة للتفاوض، أولها أن القدس ليست موضع تفاوض، فهي عاصمة (لإسرائيل)، وثانيها، ضرورة أن تعترف السلطة بيهودية (إسرائيل) وهذا يعني باختصار شطب حق العودة، ومنح (إسرائيل) الحق في طرد الفلسطينيين من الأرض المحتلة عام 1948م لكونهم ليسوا يهوداً، وثالثها إلحاق مستوطنات الضفة بـ(إسرائيل)، وفي السابق كانوا يتكلمون عن تبادل أراضٍ مقابل تلك المستوطنات، واليوم لا يتكلمون. فهل بقي للسلطة ما تتفاوض عليه؟
هناك سيناريوهات لهذه الخطوات الدراماتيكية:
الأول: الإدارة الأمريكية ستنهي الصراع على طريقتها ولصالح (إسرائيل)، وهذا يعني القدس (لإسرائيل)، وإنهاء حق العودة، وضم مستوطنات الضفة إلى الكيان. إن ما تبقّى بعد ذلك عبارة عن كانتونات فلسطينية في الضفة وغزة يمكن قيام إدارة فلسطينية يسميها الفلسطينيون دولة، أو تتحد كونفدرالياً مع الأردن أو مصر، وهذا تقريباً ما يُشاع عنه فيما يُسمى "صفقة القرن"، والنظام العربي متواطئ على تنفيذ هذا المخطط. وهو سيناريو الأنظمة.
الثاني: سوف تستثير هذه القرارات الخرقاء الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي، بل والدولي، وسيؤدي الحِراك في بعض مشاهده إلى تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة وتهديد مصالح أمريكا، ولا سيما أن القرارات التي ستؤثر على عمل الأونروا من الممكن أن تستثير اللاجئين الفلسطينيين فتدفعهم لاقتحام حدود فلسطين من نواحيها كافة، خصوصاً إذا تبنّت ذلك القوى الوطنية والإسلامية، ودفعت بجماهيرها نحو حدود فلسطين. وهو سيناريو الشعوب.
والسؤال: أي الإرادتين ستثبت نفسها في الشهور القادمة، الأنظمة أم الشعوب؟ وهل ما فشلت عنه شعوب المنطقة يستطيعه الشعب الفلسطيني؟ هذا رهاننا وخيارنا، لأن فلسطين وشعبها هما الحصى التي تسند الأمة من الانهيار، وإن غداً لناظره قريب.
#القدس #القدس_لنا #العودة_حق #عائدون #زحف_العودة