"حكيتله الف مرة ... نصحته .. فهمته .. بس هو راسو عنيد وما برد علي ... مش عارف شو اعمل معه .. غلبني وتعبني كثير ". لسان حال الكثير من الآباء وهم يحاولون تعديل سلوكيات أبنائهم وقد أعياهم عدم استجابة أبنائهم لهم.
يتخذ بعض الاباء اساليب محددة لمعالجة تصرفات ابنائهم ويعتبرونها من وجهة نظرهم ذات جدوى وفاعلية في رفع مستوى استجابة ابنائهم لهم دون النظر الى اختلاف الابناء عن بعضهم وتنوع اهتماماتهم وحاجاتهم وتعدد رغباتهم كل وفق فهمه وتصوره لنفسه .
تأخذ الصفات النفسية للأبناء والسمات الخاصة بالفئة لعمرية التي يعيشونها بعدا مختلفا عن ذلك الذي قد يراعيه الاباء من وجهة نظرهم لذلك وجب الانتباه الى هذا الاختلاف ومراعاته .كذلك على الاباء مراعاة الطريقة التي يستخدمونها بغض النظر عن المحتوى التي يعالجونه حيث اثبتت الدراسات ان اكثر من 95 % من الاشكاليات الحاصلة بين الابناء والاباء سببها راجع الى الاسلوب المستخدم في المعالجة وليس المضمون المطلوب نقاشه وقد ورد في الحديث ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالنصيحة مخافة السآمة ).
يؤكد التربويون ان سلوكيات الابناء ما هي الا رسائل تحمل طابع صفاتهم الشخصية وفئاتهم العمرية وان على الاباء فهمها وفق هذا الطابع . ولعل الامثلة التالية توضح المقصود:
تتميز مرحلة الطفولة المبكرة من 2- 6 سنوات ببداية النمو الاجتماعي للطفل ويأخذ هذا النمو شكل اتخاذ اصدقاء والشعور بالثقة التلقائية والتوافق الاجتماعي لكن وبسبب عدم قدرة الابناء على التعاون بشكل جيد فإن المشاجرات تكثر فيما بينهم ،لذلك على الاباء تفهم طبيعة هذه المرحلة وعدم الانزعاج بسبب مشاجراتهم الكثيرة والتحلي بالحلم والتغافل وتدريب انفسهم على اليات التعامل مع هذه النزاعات .
في مرحلة المراهقة يميل الابناء كثيرا الى الاهتمام بالطابع الشخصي فنجدهم يهتمون باختيار الغريب من الملابس ذات الالوان الزاهية وتصفيف شعرهم بطريقة يبدون فيها اكثر جمالا ومحاولة التميز في تصرفاتهم .. لذلك على الاباء الا يكثروا لوم الابناء على اختياراتهم وتوجيههم الى اختيارات اخرى او منعهم من ممارسة حق الاختيار لأن الاباء في هذه الحالة سوف يصطدمون بميزة اخرى من ميزات هذه المرحلة وهي العصبية والعناد والنفور.
يعد الاخصائيون تصرفات الابناء اختبارا لثلاث عناوين اساسية على الاباء التحلي بها والعمل على تطويرها كلما تقدم العمر بأبنائهم واول هذه العناوين هو مدى قدرة الاباء على التحمل والصبر والتحلي بخلق التغافل الذي اعتبر علماؤنا ان تسعة اعشار الاخلاق فيه، أما ثاني هذه العناوين فهو مستوى المهارات التربوية التي يتمتع بها الاباء وقدرتهم على ممارستها، وأخرها هو مدى اتساع خيارات الاباء في ايجاد بدائل مناسبة للتعامل مع تصرفات الابناء وتعديل سلوكياتهم.