فلسطين أون لاين

​ماذا تفعل لو أصبح ابنك داعشيًّا؟!

اصطدمنا مع نماذج من جماعة التكفير والهجرة نهاية سبعينيات القرن الماضي وكانت المواجهة فكرية مجردة من أي بعد آخر، وكانت محصلة أفكارهم تكفير كل من يختلف معهم، يبدأ التكفير بمن لم يحكم بما أنزل الله (على طريقتهم في فهم الدين)، ثم تكفير كل من لم يكفر الكافر، وبالتالي يخرج من الدين كل من لم يكن معهم.

احتدم النقاش الفكري وكتب علماء ذاك الزمان كتبًا أذكر منها كتاب الحكم وقضية تكفير المسلم لسالم علي البهنساوي، ودعاة لا بغاة للجريشي، ودعاة لا قضاة للهضيبي، وغيرها مما أدى إلى انحسار الظاهرة وتراجعها بشكل كبير وعودة الشباب إلى التيار الوسطي المعتدل في الفهم الإسلامي.

واصطدمت بداية العام الماضي مع نموذجين في سجن مجدو معتقلين على ذمة انتمائهما لداعش، الحوار هذه المرة مصبوغ بالدم، لم يعد فكريًا علميًا وإنما أصبح عاطفيًا وانفعاليًا بشكل كبير، كان محور النقاش التكفير واليوم أصبح التكفير الذي يؤدي إلى التوحش وسفك الدماء بمبرر ديني، وأنه قربة إلى الله! كيف يتقرب إلى الله بقتل المدنيين المسالمين؟ ماذا تحقق داعش في الحياة البشرية؟ وماذا عن تصورهم الديني الذي يضرب الأساس الديني (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى).. هل تأتي السعادة من هذا القتل والترويع والأخذ بنظرية التوحش؟ هذه النظرية تتناسب مع التتار مع الاستعمار الذي قتل ودمر مع الاحتلال والمحتل.. تتناسب مع كل شيء إلا الاسلام دين الرحمة وإنقاذ البشرية من الظلم والعدوان وموقفه معروف من أول جريمة ارتكبت في البشرية حيث قتل قابيل هابيل، بينما المعتدى عليه يقول: "لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك"، ومعروف بأن من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا. وكانت نتيجة الحوار أنهم لا يستقبلون ولا يرسلون.

أين المشكلة؟ المشكلة في البناء.. كيف تم بناؤهم؟ منظومة فكرية عاطفية نفسية تنسجم مع مدفون في أعماقهم من الحقد والكراهية للقوى الظالمة المستبدة في هذا العالم ومن ممارسات طاغية عانوا منها طويلًا ومع الإخلاص الأعمى لهذا الدين ومع افتقادهم لبناء الفهم الديني الممنهج الصحيح الذي يجعل الإنسان المتدين معتدلًا وعلى بصيرة من دينه بشكل متوازن، ثم بناء الفهم السياسي الذي يجعله يفهم الواقع ومعادلاته بطريقة علمية متوازنة فلا ينجرف إلى أجندة سياسية لا يعرف مبتغاها ولا يكون إمعة ولا يجعل العاطفة تسيطر على العقل والمنطق ولا ينجرف أيضًا إلى طائفية مقيتة أو عصبية منحرفة.

إذا افتقدنا البناء ولم نعمل عليه كما يجب فإن البناء يكون مشوّهًا وعرضة للوقوع بمثل هذا الغلو والتطرف.. فلو افترضنا أن ابنًا لك وقع بهذا الشرك، ثم جئت لتناقشه النقاش الطويل العريض فلن تصل معه إلى نتيجة تذكر.. لماذا؟ لأن المشكلة في البناء.. البناء مشوه وخاطئ ولا بد من إعادة البناء، وهذه تتطلب جهودًا جبارة واستعدادًا عند الشاب المغرر به، وهذا الاستعداد نادر الوجود في مثل هذه النمطية من التفكير.

ما الحل إذًا؟ لا بد من العمل جيدًا على البناء الديني القويم ولا بد من العمل على ثقافة المجتمع خاصة في الأوساط المتدينة بشكل منهجي صحيح.. واقع الحال يقول إن هذا غير متوافر، والمتوافر هو الذي ينتج البناء المشوه الذي يمتلك قابلية التطرف والداعشية.. لذلك لا بد من نهضة فكرية وتربوية شاملة وإلا بقينا عرضة لمثل هذا.