منذ ما يقرب من ستة أعوام الشعب السوري يذبحه نظامه الهمجي، بدعم كامل من قوى إقليمية ودولية، على رأسها إيران وروسيا. قضى ما يقرب من مليون سوري نحبهم، وهُجِّر مليونان خارج وطنهم، وأكثر من أربعة ملايين داخل الوطن فاقدين كل ما يملكون، دمر النظام الهمجي أكثر من 40% من سورية، ما يشمل أكثر من مليوني مبنى، ودُمِّرت معظم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وهُجِّر لاجئوها للمرة الثانية داخل وخارج سورية.
مثلت معارك حلب الشرقية آخر مشاهد الذبح والدمار والهمجية التي ارتكبها النظام السوري وحلفاؤه، على مسمع ومرأى العالم كله، لم يتحرك في العالم ضميرٌ حي، وتُرك السوريون وحدهم يتجرعون الموت ألواناً على أيدي سفاح العصر بشار، فكيف من المفتَرَض أن ينتهي هذا المشهد الأليم؟
قد يتصور بعض أن على الثورة السورية أن تستسلم لبشار أو تغادر البلاد، ويرى آخرون أنه لا خيار أمام الثورة السورية سوى الاستمرار بعد هذا الشلال النازف من الدماء، إذ إن استمرار النزف يعني إضافة مبررات أخرى لإسقاط بشار، وأستبعد أن هناك خياراً ثالثاً يقول بإمكانية التوصل إلى نقطة في منتصف الطريق بين الجزار والضحية، لأن ذلك يعني لبشار انتصارًا، وعندها لن يقبل أقل من أن تستسلم له الثورة ليجهِز عليها تمامًا ويستعبد الشعب كله.
إن الكأس المُرّة التي تجرعها الشعب السوري يجب أن يتجرعها كل مشارك في هذا الإثم العظيم، العدالة المطلقة التي أقرها الله (تعالى) تقول: "العين بالعين والسن بالسن"، ودائمًا البادئ أظلم، ولا ينبغي للشعب السوري العظيم أن يقف مكتوف اليدين خارج سورية، كما لم يقف مكتوف اليدين داخلها.
إن ما تقوم به إيران وروسيا إنما هو احتلال مسلّح لسورية، ولا يقول أحد إنهما جاءا بطلب أو برضا من النظام السوري، فكثير من تجارب استعمار الدول كانت برضا من الحاكم، والحاكم ليس إلهاً مطلوبًا من الشعب أن يقدِّسه وأفعاله، مهما كانت، فإن إيران تقوم بتغيير ديمغرافي طائفي في سورية، تماماً كما فعلت الصهيونية في فلسطين، أما روسيا فتنهب ثروات سورية وتدمرها تدميرًا كاملًا وممنهَجًا من أجل تولّي إعادة إعمارها لاحقاً، تماماً كما فعل كل استعمار في البلاد المحتلة، وليس للنظام السوري الحاكم إلا أن يقبل مصالح حليفتيه من أجل استمراره في الحكم، ولما كان الأمر كذلك فإن الثورة السورية قد انطبق عليها وصف حركة تحرُّر، ونضالها شرعي بكل المعايير، ومكفول بقرارات الأمم المتحدة أيضًا، كالقرار 101 لعام 1986م الذي نص في فقرته الثانية على "شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، ومن ذلك الكفاح المسلح".
إن من حق، بل من واجب الشعب السوري المكلوم أن ينتقم، وأن يثأر ممن ظلمه، وهو يختار الوقت والمكان والأداة والكيفية التي تناسبه للقيام بما يجب القيام به منذ سنوات، إن الدفاع عن النفس، ورد الظالم، وتدفيعه ثمن عدوانه ليس عدواناً أو إرهاباً يقوم به الشعب السوري، بل كفاحاً مشروعاً من أجل العدالة والحرية، وإن اللاجئين السوريين المشرّدين في أصقاع الدنيا أمامهم واجب وطني يطلبهم حيث هم؛ أن يثأروا لكرامتهم وحقوقهم، وأن يُذيقوا إيران وروسيا من كأس الموت التي شربها الشعب السوري على أيديهما، والبادئ أظلم.