صرنا نسمع ونرى هذه الأيام أصواتًا ناشزة وقحة، تدعي أنها مثقفة وتدعو للتطبيع، أو تتحدث عن كيان الاحتلال وكأنه دولة صديقة وذات حق وسيادة، وأن وجودها وجود طبيعي ومعترف به دوليًّا، وهذه الأصوات ليست غربية أو صديقة للصهيونية، وإنما عربية وتحمل أسماء عربية، ولا نحتاج إلى كثير من الجهد لنثبت ونرى ارتباطات هذه الأصوات بالدولة الفلانية المطبعة أو تلك.
اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين متمسك بكل قوة بمقولة فلسطين الكاملة التي لا تتجزأ، ويتخندق في ثقافة الوعي بعيدًا عن تداعيات السياسة والمواقف الرسمية للسياسيين، فإن تراجع الموقف الرسمي لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتداعى لذلك الموقف الثقافي، الذي يجب أن يتمسك بأن تبقى فلسطين كل فلسطين مزروعة في عمق الوجدان الفلسطيني والعربي.
أما أن يطبل المثقفون ويزمروا خلف السياسي المنبطح فهذه جريمة في حق المثقف، والثقافة الوطنية التي ينبغي لكل المثقفين أن يتكاتفوا وأن يستميتوا في الدفاع عنها، وإثبات حقنا الكامل فيها.
في هذا السياق أصدر الاتحاد بيانًا قبل يومين يدين فيه هذه الأصوات المطبعة، ويدعو كل المثقفين العرب أن يتمسكوا بالموقف الأصيل من حقنا في فلسطين، وبطلان أي ادعاء لأية أحقية للصهاينة في أي ذرة تراب من فلسطين، وأن ما فرضته آلة القتل والقمع الاحتلالية ومن يقف وراءها لا يمكن أن يتحول إلى حق مكتسب بحكم الأمر الواقع والاستسلام للاختلال في موازين القوى الذي يفرضه الباطل.
وهكذا يجب أن يبقى المثقف الحصن الحصين للقضية، ويجب أن تبقى المبادئ الأساسية هي المزروعة في أعماقنا وأقلامنا، أذكر أن بعض مثقفينا بداية توقيع أوسلو دعوا المثقفين لإدانة أعمال المقاومة، كي يقتدي بهم المثقفون الإسرائيليون، فيدينوا أعمال القتل التي تقوم بها حكومتهم، وهذا كحلم إبليس في الجنة، فما زال المثقفون الإسرائيليون يرفدون الوعي الجمعي عندهم بكل الأباطيل التي تسوغ الاحتلال والعدوان، ما زالت مناهجهم التربوية زاخرة بالعداء وتقطر حقدًا على الجنس العربي بطريقة عنصرية مميزة، وما زالت ثقافتهم _خاصة الدينية_ تصف الفلسطيني بالأفعى، وتدعو لعدم التردد في القتل والإبادة.
ولقد ثبتت صحة ودقة ثقافتنا التي تجيد وصفهم بكل موضوعية دون أية مبالغة أو تهوين، كنا في بدايات مرحلة أوسلو نطرح _على سبيل المثال_ ما ورد في القرآن الكريم عن اليهود: "أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرًا"، فكنا نقول لا تحلموا بأن تحصلوا منهم على أي شيء إلا أن يسترد بالقوة، قالوا: "دعونا نجرب"، ها قد جربنا ربع قرن، فماذا كانت النتيجة؟!، وكنا على صعيد العهود والاتفاقيات نقول إنهم خير من ينقض العهود (أوكلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم)، ثم صرنا نرى الفريق نفسه الذي يعاهد ينقض عهده لا فريقًا آخر منهم، وهكذا وجدنا صدق ثقافتنا؛ فلا داعي لتزييف الوعي ودفن رؤوسنا في التراب.
أصاب اتحاد الكتاب في الاستمساك بحق الفلسطيني وعيًا وثقافة والبقاء في موقع الصمود والتحدي، وألا يتبع الفلسطيني أية مقولة من مقولات التسوية التي ثبت أن ما هي إلا خروج عن هذا الوعي الجمعي المحق والمستمسك بجوهر القضية؛ فالأمة لا تجتمع على ضلالة.