مع نهاية عام 2017 وبالرغم من انطلاق المصالحة الفلسطينية في الربع الأخير من العام الحالى , إلا أن الاقتصاد في قطاع غزة مازال يعاني من سياسة الحصار التي تفرضها (إسرائيل) على قطاع غزة للعام الحادي عشر على التوالي, بالإضافة إلى الحروب والهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على القطاع والتي عمقت من الأزمة الاقتصادية نتيجة للدمار الهائل الذي خلفته للبنية التحتية و كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
كما أن التأخر في عملية إعادة الاعمار خصوصا في القطاع الإقتصادي أدى إلى تداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة, حيث حذرت العديد من المؤسسات الدولية من تداعيات إبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة و تأخر عملية إعادة الإعمار على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية و البيئية.
واستمرت (إسرائيل) خلال عام 2017 باتباع سياساتها وإجراءاتها العقابيىة بحق قطاع غزة, والتي تمثلت بتشديد الخناق على تنقل التجار ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون, وتجاوز عدد التجار ورجال الأعمال الممنوعين والمسحوب تصاريحهم ثلاثة آلاف شخص, وتجاوزت ذلك باعتقال العشرات من التجار ورجال الأعمال, كما أضافت (إسرائيل) العديد من السلع و البضائع إلى قوائم الممنوعات, وكل هذا يأتي في إطار سياسة (إسرائيل) بتشديد الحصار على قطاع غزة.
معدلات البطالة
شهد عام 2017 ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن معدل البطالة في القطاع قد بلغ 46.6% في الربع الثالث من عام 2017 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن 243 ألف شخص, وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في غزة تعتبر الأعلى عالميا, وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب و الخريجين في
الفئة العمرية من 20-29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس في غزة لتتجاوز 67%.
كما شهد عام 2017 حالة من الركود التجاري لم يسبق لها مثيل نتيجة لخصم حوالي 30% إلى 50% من رواتب موظفي السلطة في المحافظات الجنوبية فقط, حيث تسبب هذا القرار بخلل كبير في حركة دوران السيولة النقدية ونقصها من الأسواق وكان له تداعيات خطيرة وكارثية على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة, حيث إن الجزء الأكبر من الموظفين مديون للبنوك ومجمل ما يتقاضونه شهريا لا يتجاوز 40% من إجمالي الراتب في أحسن الأحوال وبعد خصم قيمة 30% من الراتب لن يتبقى لهم شيء ليعتاشوا منه ويسددوا التزاماتهم وديونهم بدءا من البقالة حتى إيجار المسكن, بالإضافة إلى عدم التزامهم في سداد فواتير الخدمات الخاصة بالكهرباء والمياه والاتصالات, وأدى ذلك إلى إغلاق عدد من المحلات التجارية والمصانع والمطاعم.
عملية إعادة الإعمار
للأسف الشديد واقع عملية إعادة الإعمار لا يسر عدوا ولا حبيبا, حيث إنه وحتى هذه اللحظة وبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على حرب صيف 2014, لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية وما زالت تسير ببطء شديد كالسلحفاة ومتعثرة, ومن أهم أسباب بطء وتعثر عملية إعادة الإعمار استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 10 سنوات, واستمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية العقيمة المعمول بها حاليا "آلية إعمار غزة "GRM", والتي رفضها الكل الفلسطيني منذ الإعلان عنها وثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع, حيث إن كمية ما تم إدخاله من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة خلال الفترة من 14/10/2014 حتى 31/12/2017 لا تتجاوز 2 مليون طن, وهي لا تمثل سوى 30% من احتياج قطاع غزة للإسمنت خلال نفس الفترة , حيث إن القطاع يحتاج إلى 6 ملايين طن خلال نفس الفترة لتلبية الاحتياجات الطبيعية فقط , ولا تزال هناك حاجة إلى 38٪ من الاسمنت لحالات إعادة إعمار المساكن التي استهدفت خلال حرب عام 2014, والمطلوب الآن وبعد استلام السلطة لكافة معابر القطاع إلغاء تلك الآلية العقيمة وإدخال مواد البناء دون قيود أو شروط.
وانعكس ذلك بشكل واضح على ما تم إنجازه على صعيد إعادة إعمار الوحدات السكنية التي تم استهدافها خلال العدوان و بحسب تقارير دولية صادرة في نوفمبر 2017, فما تم إنجازه وعلى سبيل المثال في الوحدات السكنية المدمرة كليا, إعادة بناء 5,755 وحدة سكنية من جديد من أصل 11000 وحدة سكنية دمرت كليا, وهي تمثل فقط 50% فقط من كافة الوحدات التي تم تدميرها بشكل كلي, وبلغ عدد الوحدات السكنية التي في مرحلة البناء 818 والوحدات السكنية التي يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 602 والوحدات السكنية التي لا يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 3,825 وحدة, ويقدر عدد الذين ما زالوا نازحين وبدون مأوى جراء الحرب الإسرائيلية في صيف 2014 على قطاع غزة، بحوالي أكثر من 4,500 أسرة (حوالي 23,500 ألف فرد مشرد), ولا تزال هناك فجوة في التمويل لحوالي 3800 وحدة دمرت كليا وأكثر من 56,500 وحدة متضررة بشكل جزئي.
أما على صعيد القطاع الاقتصادي فهو مغيب كليا عن عملية إعادة الإعمار, حيث بلغ عدد المنشآت الاقتصادية التى تم استهدافها في كافة القطاعات ( التجارية والصناعية والخدماتية ) 5153 منشأه اقتصادية, وبلغ حجم ضررها ما يزيد عن 152 مليون دولار وذلك وفقا لتقديرات الفريق الوطنى للإعمار, وقدرت تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحسب ما تم رصده في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر وإعادة الاعمار بحوالي 566 مليون دولار , لكن للأسف الشديد حتى يومنا هذا فإن المبالغ التي تم تخصيصها لإعادة إعمار القطاع الاقتصادي تقدر بحوالي 25 مليون دولار فقط من خلال المنحة القطرية والكويتية, وهي لا تتجاوز 16.5% من إجمالي أضرار القطاع الاقتصادي, وتم رصد معظم تلك المبالغ لإعادة إعمار وتعويض 3200 منشأة من المنشآت الصغيرة التي تضررت بشكل جزئي بسيط, وبعض القطاعات الصناعية.
كرم أبو سالم – الواردات والصادرات
لم يشهد عام 2017 أي تغير في واقع المعابر, فكافة معابر القطاع التجارية مغلقة باستثناء معبر كرم أبو سالم وهو الوحيد الذي يعمل حتى اللحظة وفق الآلية السابقة لما قبل الحرب على غزة, فلم يتغير أي شيء على آلية عمل المعبر من حيث ساعات العمل , عدد الشاحنات الواردة, نوع وكمية البضائع الواردة.
وما زالت (إسرائيل) تمنع دخول العديد من السلع والبضائع والمواد الخام والمعدات والآليات و الماكينات وقطع الغيار وعلى رأسها مواد البناء و التى تدخل فقط وبكميات مقننة وفق آلية إعمار غزة لإدخال مواد البناء ( الإسمنت – الحصمة – الحديد – البوسكورس).
ومن خلال رصد حركة الشاحنات الواردة من كرم أبو سالم و أيام الإغلاق خلال عام 2016, فقد بلغ عدد أيام إغلاق المعبر 112 يوما خلال عام 2017 وهو ما يمثل 30% من عدد أيام العام, حيث يتم إغلاق أيام الجمعة والسبت من كل أسبوع بالإضافة إلى الإغلاق في الأعياد اليهودية.
وبلغ عدد الشاحنات الواردة إلى غزة 115,741 شاحنة خلال عام 2017, مقارنة مع 107479 شاحنة خلال عام 2016 من مختلف الأصناف المسموح دخولها إلى غزة باستثناء عدد شاحنات المحروقات الواردة, وبلغ متوسط عدد الشاحنات اليومية الواردة إلى غزة 317 شاحنة خلال عام 2017.
وعلى صعيد خروج البضائع من غزة, فقد بلغ عدد الشاحنات الصادرة 1630 شاحنة إلى أسواق الضفة الغربية والأسواق الإسرائيلية والخارج, مقارنة مع 2129 شاحنة خلال عام 2016, وهذا يمثل 35% من عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة قبل فرض الحصار.
وفي النهاية فإن كافة المؤشرات السابقة تؤكد أن قطاع غزة حاليا دخل في مرحلة الانهيار الاقتصادي, وأصبح نموذجا لأكبر سجن بالعالم؛ بلا إعمار, بلا معابر, بلا ماء, بلا كهرباء, بلا عمل, بلا دواء, بلا حياة, بلا تنمية, ويجب أن يعلم الجميع بأن الخناق يضيق بقطاع غزة والانفجار قادم لا محال, وأصبح المطلوب من المؤسسات والمنظمات الدولية الضغط الفعلي على (إسرائيل) لإنهاء حصارها الظالم لقطاع غزة وفتح كافة المعابر التجارية وإدخال كافة احتياجات القطاع من السلع و البضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود وشروط, وذلك لإنقاذ القطاع من حالة الموت السريري التي يعاني منها.