فلسطين أون لاين

​روّضوهم بالحب

كثير من الأسر تشتكي صعوبة التعامل مع أطفالها، خاصة العنيد منهم، والعصبي منهم، فهل فكر الأبوان في تغيير طريقة التعامل مع أطفالهم؟! إن الوعي الغائب لدى الأم والأب يتسبب لهما في إيجاد العديد من العثرات، ومواجهة الصعوبات في تربية أبنائهما خلال المراحل الأولى، حتى بعد هذه المرحلة.

ربما السبب الأكثر تأثيرا في هذا الأمر هو الأسلوب وطريقة التعامل. فلنطرح مثالا: حين تريد الأم مثلا أن توقظ ابنها للروضة تجدها غالبا ما توقظه بعنف، أو بالأحرى بطريقة تجعله يلتزم الفراش ولا يريد النهوض منه، فتنادي بصوت عال: قم للروضة، تأخرت، وتهزه بقوة: الباص! فيتثاقل الطفل، ويبدأ بالتذمر، لم لا نجرب طريقة أخرى، ماذا لو قبلت الأم وجنة صغيرها بحنان، وهمست في أذنه بحب قائلة: "صباح الخير للعصافير، متى سيفيق عصفوري الصغير للمدرسة؟... لقد سبقتك العصافير... ولمرحلة أكبر، صباح الحلوين النشطين يلي بيصحوا قبل العصافير...".

فاحذر أن يفتح الطفل وجهه على غير ابتسامة في وجه أمه أو أبيه؛ لأن ابتسامتك هذه هي بمثابة الحافز، والطاقة الإيجابية التي ستشحن طفلك بالحيوية والنشاط، وستحفزه للقفز من سريره، لكن ماذا لو تمادى الطفل في الكسل وهذا وارد الحدوث، وهذا طمع منه في الحصول على المزيد من الدلال؟ هنا نتوقف قليلا لنحاول إمساك العصا من الوسط، فعلينا أن نتمالك أنفسنا ولا ننفجر بسرعة فنضيع ما أنجزناه، نزيد الجرعة قليلا مع مزجها بقليل من الشدة فنذكره بعقاب التأخير من ناحية إيجابية، فنذكره بأنه سيفوته طابور الصباح، وتحية العلم ومن سيحيي العلم؟ إن لم يذهب مبكرا ومن مسؤولياته الاستيقاظ مبكرا...

على الأم والأب أن يستخدما طريقة الإقناع مع أبنائهما، فلا ينظرا إليهم على أنهم أداة تنفيذ الأوامر فقط.

الطفل يملك شعورا يعادل شعور الكبار، وما تظنه بأنه لا يؤثر في نفسية طفلك، فهو يؤثر بها بشكل أو بآخر من خلال انعكاسه على شخصيته. الذين يعاملون أبناءهم بعنف دائما، غالبا يكون أبناؤهم عنيفي الردود، أو العكس انطوائيين.

ثقوا تماما أن الحب واللين والعطف تروّض الشخصيات المتمردة، لكن باختيار طريقة مثلى. فالطفل العنيد الذي يصر على امتلاك كل شيء من خلال تأثيره على والديه بطريقة أو بأخرى، إما بالبكاء وافتعال الغضب، أو بالإحجام عن تناول الطعام، أو.. هنا على الوالدين عدم الرضوخ لرغبة الطفل، فعليهم ألا يسايروه؛ لأنهم بذلك يزرعون فيه حب السيطرة والأنانية، بل عليهم أن يثبتوا له أن طرائقه هذه لم تعد مجدية، وعليه أن يحسن التعامل معهم. اتركوه مرة، مرتين،... خمسا... حتى يعلم أنها وسيلة فاشلة، وفي المقابل كلما شعرتم بتغير إيجابي فيه، أثنوا عليه، قبلوه، امدحوه أمام الضيوف...

أشعروا أبناءكم بأنكم تحبونهم بلا شروط، بلا مطالب، أسمعوهم كلمات الحب. إن الطفل يحتاج للعناق من أبويه؛ ليستشعر الأمن والسند والدفء، إن التواصل الجسدي الغائب عن الكثيرين من الأهالي مهم جدا في بناء شخصية متزنة عند الطفل من خلال الإشباع العاطفي. ناهيك عن حاجة الأبوين لهذا التواصل للاقتراب من أبنائهم، بل ليستشعروا نعمة الله عز وجل في قيم الأبوة أو الأمومة. إن إخراج أفراد أصحاء نفسيا للمجتمع يبدأ من خلال الأسرة. جربوا الترويض بالحب، فالقلوب بطبعها تلين بالاهتمام والحنان، والعطاء، وبالقسوة والعنف تتيبس.

عَنِ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيء إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ".

فهذا منهاج أوضحه لنا رسولنا وحبيبنا وقدوتنا، فلنجرب هذا المنهاج.

فلا تبخلوا عليهم بالحب، أيقظوهم بابتسامة، سينظرون إليكم مندهشين، سيدب النشاط في أرواحهم قبل أجسادهم، جربوا فعل ذلك. قبلوهم قبل خروجهم وعند عودتهم، أجلسوهم قربكم، اتركوا أيديكم تعبث في خصلات شعرهم، أنصتوا إليهم باهتمام وحب وهم يتحدثون. علقوا على آرائهم بالإيجاب قبل السلب ثم انقدوهم إن أخطؤوا بهدوء، بمنطق المرشد والموجه، لا المعنف والحاكم.

إن الابتسامة لها مفعول السحر فمارسوها باحتراف معهم، والعناق أمن فوفروه لهم.