دخل على صديقه القديم المريض ليسلِّم عليه فسأله أن يدعوَ له، فقال له بإصرار: ادعُ أنتَ لنفسك وأنا سأؤمِّن على دعائك.
دعا الرجلُ بما يحب، ثم أكمل الضيفُ الدعاءَ وكان من دعائه : اللهم اجعلني من هؤلاء القادة والزعماء الذين يكونون سبباً في وحدة المسلمين.
كان برنامجُه في السودان مكتظّاً ثقيلاً بالمباحثات وتوقيع الاتفاقيات ومخاطبة الهيئات الرسمية والشعبية وافتتاح المنشآت؛ تسلل الزعيم التركيّ خارج برنامجه ليزور صديقه القديم الدكتور الفاتح علي حسنين الرجل السوداني والداعية الثائر الذي كان أحد أهم أسباب إعلان البوسنة والهرسك جمهوريةً مستقلة، وأحد أهم القادة الذين دافعوا عن وجود المسلمين هناك، وعمل مستشاراً للزعيم الراحل" علي عزت بيجوفتش" وقائماً بأعمال رئيس الجمهورية لعدة أشهر زمان الحرب البوسنية الصربية أوائل تسعينيات القرن الماضي.
علاقة مشتركة تعود إلى السبعينيات وفيها الكثير من الحكايات والقصص المثيرة التي قد يتاح لنا روايتها في قابل الأيام في فيلم وثائقي خاص، ومع أن أردوغان يحتاج إلى ترجمة كلام الفاتح العربي، وأن الفاتح يحتاج إلى ترجمة لغة أردوغان التركي ، إلا أن الرجلين يتفاهمان بسرعة بمساعدة صغيرة ، وتجد بينهما الكثير من مساحات التوافق والثقة.
حضر أردوغان إلى العشاء الذي أعدّه له صديقه الفاتح ، وأكل بشهيّة عنده، كأنه يريد أن يرضي صاحبه بذلك، وكان يبتسم له ويداعبه ويعترض على وزنه الزائد ويلمِّح له بالرياضة رغم أنه جاوز السبعين، ويأخذ عكّازه من يده ويجعلها بين يديه؛ فكان هذا مما يُبهج الضيوف الذين أتيح لهم أن يعيشوا معه ساعات ، تخللتها مقاطعات من أحد الملوك الذين اتصلوا به لأجل موضوع عاجل يختص بالقدس، اعتذر أردوغان بلطفٍ أن يذهب إلى غرفة مجاورة، وطلب مني الدكتور الفاتح أن أرشده إليها فهي غرفة لخلوته وتعبّده تحوي سريراً صغيراً وكرسيّاً وخزانة قديمة، ثم عاد إلى نخبة مختارة دعاهم الدكتور الفاتح على عجلٍ ليلاقوا صاحبه الذي يحبه، هناك أعلن والي سنار أنه جهز زوجين من الأسود وزوجين من النعام ومثلها من غزلان محميةِ الدِّنْدِر الطبيعية الأكبر في العالم والتي لا يعرفها الناس رغم كثرة ما فيها من حيوانات برية، ثم اختلى أردوغان بصاحبه الفاتح على مائدة العشاء مدة ليست بالقصيرة واستمع منه إلى آفاق تطوير العلاقات بين البلدين وتفكيك التحديات.
كان الناس في الحي الذي يسكن فيه الدكتور الفاتح قد لاحظوا تغيراً في الشارع الداخلي المؤدي إلى منزل الدكتور الفاتح، وشاهدوا أعلاماً تركية كثيرة على أعمدة الإنارة، وصورة كبيرة للرئيسين السوداني والتركي على واجهة المنزل، وعلماً تركياً عريضاً، كانت الإشاعات تنتشر بأن ضيف البلاد الكبير ربما يزور صديقه القديم كما فعل في زيارته الأخيرة للسودان عندما كان رئيساً للوزراء، لكن لم يصل تأكيد من أحد، ومع ذلك فقد اصطفّ الناس ساعات لاسيما بعد رؤية بعض المظاهر التي تسبق زيارة الشخصيات الكبيرة فانتظروا حتى أطلّ عليهم الضيف المنتظر، الذي كان حريصاً على إظهار نفسه للناس وتمكينهم من رؤيته ولم ينقطع عن محاولة الاقتراب منهم في غفلة من حرّاسه النابهين ، وانتظر الناس على بوابات منزل الدكتور الفاتح منتظرين خروجه لاصطياد صورة له أو معه وتوثيق تلك اللحظة البهيجة التي أدخلها على حيّهم السكنيّ؛ كان التكبير والدعاء يحيط بالرجل في كل حركاته ، وودّعوه بحبٍّ يليق به.