من الآراء الخطيرة التي تنتشر لدى بعض الفضلاء ذوي الرأي الأكاديمي -بحسن نيّة وسوء تقديرٍ- هو اقترابهم من مفاهيم صهيونية دينية واستعمارية صليبية في قضايا تمسّ قضية القدس في واحدة من أشدّ معاركنا في الجبهة الثقافية المعرفية الدينية والتاريخية.
يقول هؤلاء إن المعبد أو الهيكل بناء قديم كان في موضع المسجد الأقصى وتحديدا في قبة الصخرة، ويعترفون لليهود بهذا الزعم، ويسوقون بعضًا من الاستدلالات السطحية غير المحققة والمدروسة على ادعائهم المقلّد المستنِد إلى خرافات توراتية مضروبة يصرون على تسميتها تاريخًا، ثم يحاول هؤلاء التملّص من هول رأيهم بادعاء نهاية ولاية اليهود على المكان بظهور الإسلام، ويسوقون قرائن باردة على خروجهم مما وضعونا فيه من استنتاجاتهم الخطيرة.
ثم نجد لديهم الرغبة في تثبيت اسم جيروسالم أو أورشليم اسمًا للمدينة المقدسة "القدس=إيلياء=بيت المقدس"، دون نظر لطبيعة المرحلة التي نعيشها، متعلِّقين بخطاب أكاديمي باهت، يترافعون به، ولا يلتفتون إلى أنهم يشدّوننا إلى مربع رؤية العدو المحتل وثقافته.
أعرف أن لهم وجهًا أكاديميًا يستندون إليه، ولكنه وجه مُتهاوٍ علميًا، ثم إنه لا يُنتفع به، وليس هذا توقيت إعلانه أو الدفاع عنه وإعطائه فرصة للظهور، وأنا أجزم القول بأنه لا يجوز الالتفات إليه الآن ما دامت هناك آراء قوية نافعة وعملية تصب في اتجاه تثبيت حقوقنا التاريخية والسياسية، وكثيرًا ما أؤكد لهم أن الالتزام بذلك هو محصّلة العلم وثمرته، وليس التجرّد التشكيكي المضر بقضيتنا.
في جانب عمليّ متصل فأنا أعلم أن المرافعة القانونية والسياسية تتطلب استخدام الأسماء المدوّنة مثل "جيروسالم" لكن ذلك لا يُعفينا أن نثبت اسم القدس واضحًا في كل شيء وأن ندونها كما نريدها ونختار لها، وأن ما يكتبونه هو ترجمة لها أو هو اسم قديم مندثر يجري إحياؤه رغما عن ثقافة المنطقة التي سادت منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام، ونحتاج إلى إبداع في تثبيت اسم القدس أو بيت المقدس في أدبياتنا السياسية والإعلامية كلها في جميع مكاتيبنا الدولية.
نحن في مرحلة تثبيت الهوية وفي معركة ذات جبهات ثقافية ومعرفية، وأولى هزائمنا تأتي في مربعات تجيير هوية المدينة بأسماء أعجمية أو ذات خلفيات دينية صهيونية أو استعمارية أو صليبية، وفي هذه المرحلة ينبغي تثبيت اسم القدس بكل اللغات وأن نَصِفَ المراد منها ونشرحه بقوة، ونذكر أن مرادفها في الثقافة الأخرى هي جيروسليم (وهي أخت أورشليم)، وأن المرادف الأجنبي منحاز صوب الاتجاه الصهيوني، ... فالقدس اسم المدينة منذ الفتح العربي الإسلامي بل هو اسمها قبل أورشليم وقبل اليهودية وفق مرافعات الدكتور محمد بهجت قبيسي نائب رئيس اتحاد الآثاريين العرب الذي أثبت ذلك بالنقوش
"جيروسالم" هي تسمية تعترض على هوية المدينة وفلسطينيتها وعربيتها اليوم ولا ينبغي لها أن تدخل قاموسنا المقاوم حتى تتحرر.