كانت تسمية الجمعة الماضية من الفعاليات التي انطلقت لمواجهة الاعتداء الصارخ على قدسنا جمعة الإرادة عنوانًا رائعًا لتشجيع إرادة الفعل في مواجهة المحتل، بالفعل إن أشد ما يحتاج له الشعب الفلسطيني في هذه الظروف العصيبة هو إرادته، إن المحور الأساسي في تحريك قضيتنا في أبعادها المحلية والإقليمية والدولية هو إرادة هذا الشعب، إذا أردنا تحريك الشارع الفلسطيني لإنتاج الفعل المقاوم للاحتلال، وإذا أردنا إبقاء جذوة الصراع مشتعلة في الساحات الداعمة للنضال الفلسطيني، وإذا أردنا أن تبقى الساحة الدولية مهتمة بنا؛ فلا بد من الإرادة المشتعلة لشعبنا الحر.
وهنا لابد من دراسة مقومات هذه الإرادة، مع أن بعضًا يقول إن الشعب الفلسطيني يفاجىء العالم بأمور لا يستطيع أحد أن يتوقعها مسبقًا، مثل ما حدث في انتفاضة الحجارة عام 1987م، بعد أن ظن الاحتلال أنه قد سيطر سيطرة كاملة، وأن قمعه المستمر قد أنتج شعبًا خانعًا مستكينًا لا هم له إلا كسب الرزق، يكون خادمًا ووقودًا لعجلته الاقتصادية، لكنه فوجئ بحجم الغيرة على الكرامة وتوقه إلى الحرية وقدرته على المواجهة بأقل الإمكانات المتوافرة، بالحجر يواجه الجيش الأقوى في المنطقة.
إنها _لا شك_ إرادة هذا الشعب التي يستهين الاحتلال ومن يقف وراءه بها، ويحسب أنه قادر على تمرير ما يريد دون أن يلتفت إلى هذه الإرادة الحرة القادرة على إفشال كل مشاريعه.
لنتوقف قليلًا عند مقومات هذه الإرادة، هناك ما يقويها ويعمل على تصليبها، وهناك ما يقوض أركانها ويضعفها، لقد اشتغل كثيرًا في مرحلة ما بعد أوسلو على هذه الإرادة، فبعد أن أفرزت انتفاضة الحجارة وأظهرت إرادته الحرة القوية، ما يعني أنها إرادة واعية بالاتجاه الصحيح، وهو التحرر من الاحتلال وتحرير القدس، وذلك مع استعدادها لدفع الثمن؛ جاء العمل على التسويات السياسية ليشتت وجهة هذه الإرادة وليضعف من قوتها، كان ذلك بعد إبعاد إرادة شعبنا عن دورانها حول القضية إلى دورانها حول مناصب ومكاسب حزبية وفردية، أنزلت عن الجبل لتلتقط الغنائم من جبل الانتفاضة والمقاومة والاستمساك بالحق الفلسطيني الكامل إلى قاع المطالب التي نزلت بالقضية وأشغلت الناس في أمورهم الصغيرة، وذهب جمهور لا بأس به من الشعب الفلسطيني يلهث إلى منصب أو مصلحة خاصة أو بطاقة (VIB)، ما يعني أنه شخصية مهمة تحظى بالتنقل وحرية السفر ... إلخ.
لكن الاحتلال لا يرضى، مهما أخذ، لا حدود لجشعه وصلفه وإمعانه في سحق الفلسطيني وتجريده من كل حقوقه، خاصة مساسه بما يتعلق بكرامته ومقدساته، وهذا من شأنه أن يقلب الطاولة، وينهي تراكمات شغلهم الأسود على إضعاف عزائم هذا الشعب.
وسرعان ما ينفض شعبنا غبار ما علق به من هذه المرحلة السوداء من تاريخ نضاله ويعيد للإرادة الحرة اعتبارها، فالثقافة المبنية على الكرامة مع وصول حالة القمع وقهر الاحتلال إلى الدرجة التي لا تحتمل أفضل وصفة لانطلاق الإرادة، وهذا يتطلب منا أن نعمل كثيرًا على الإرادة برفد مقوماتها وتصليب عودها، وهذا لا يكون إلا إذا جعلناها مركز عملنا في الثقافة والتربية، وهذا أقل الواجب لشعب يواجه احتلالًا من هذا النوع.
وللدين دوره الأساسي؛ فالعبادة التي تبدأ بالاستيقاظ مبكرًا، وبتركيز مفهوم التوحيد من شأنها_ إن كان واعيًا_ ألا يذل الإنسان إلا إلى ربه الذي خلقه، عندئذ تزرع الكرامة وتصلب الإرادة، وعندئذ ننتج شعبًا قادرًا على المواجهة والمقاومة، مهما بلغت قوة هذا العدو الذي لا يعرف مكنونات هذا الشعب، إنها بالفعل تسمية فاعلة وموفقة: جمعة الإرادة.