معلوم أن المؤسسات الدولية بشكلها الحالي، تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية لتسيير مصالح المنتصرين وقتها وعلى رأسهم أمريكا، وإحدى هذه المؤسسات هو مجلس الأمن الذي قراراته ملزمة، بينما الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراتها وتوصياتها اعتبارية وغير ملزمة، وإلا لكان قرارها الأخير حول القدس، نفذ وتم طرد المحتل منها، وما جرى يعتبر نصرا معنويا يبنى عليه ويعطي ثمارا طيبة في حالة تناغمه مع المقاومة وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، على أساس برنامج وطني موحد.
لم نقرأ أو نسمع أنه عبر التاريخ عن أمة أو شعب استرد حقوقه أو طرد مغتصبه المستعمر من خلال المؤسسات الدولية بكافة أشكالها ولا بالمفاوضات خاصة، ما يسمى البناءة منها والذي يطلق عليه الحوار العقلاني والعلمي، ولنا بمفاوضات "أوسلو" طيلة 24 عامًا العبرة، وكيف أنها عطلت طاقات الشعب الفلسطيني بشكل سلبي وكبير.
الصراع الدولي، وصراع القوى بين القوى الخيرة والظالمة المتكبرة المغرورة بجبروتها على شاكلة "ترامب" و"نتنياهو"، يكون بموقع الندية التي تفهم المحتل أن هناك ثمنا باهظا يتوجب عليه دفعه في حال استمر في مراوغته واحتلاله ومعه من يسنده ويدعمه، وهنا قد تختلف ميادين القتال وتتعدد كما هو الصراع على المستوى الدولي عبر مؤسساته المختلفة، لكن ليس أن تكون هي كل الخيارات.
المتصفح لصفحات التاريخ يرى أن مقاومة المحتل في مختلف الميادين، لم تكن موضع نقاش وتساؤل، بل يجمع عليها الصغير والكبير، فمسألة مقاومة الاحتلال أو الاستعمار أو أيّ غزو كان هي من الأمور البديهية وأبجديات الحراك التاريخي.
في حالة وجود احتلال لا يصح إطلاقا، التفاوض معه عن ضعف واستجداء، بل من منطق قوة، دون الاستجداء والاستعطاف، حيث يكون المحتل مبتسما متكبرا والطرف الآخر منكسا وذليلا والإعلام يبرز كل ذلك استخفافا.
المقاومة حالة تاريخية مستمرة حيث يوجد الظلم توجد المقاومة...، هناك منتفعون في الحالة الفلسطينية يريدون وقف المقاومة ويصورونها على أنها السبب في معاناة شعبنا وليس وجود الاحتلال، أمثال هؤلاء وجدوا في مختلف الثورات ولكنهم سرعان ما يختفون لسرعة تحرك الجماهير ووعيها المسبق بخطورة هؤلاء وضرورة تحييدهم.
لا يختلف اثنان على توجيه كل الطاقات والجهود لمقاومة هذا المحتل في الداخل والخارج وليس ضد المقاومة أو إطلاق الصواريخ، أو غيره من عمليات المقاومة الذي يعرف مدى مراراتها وألمها الاحتلال فقط.
المؤشر الذي يبشر بالخير في كون المقاومة تجدي نفعا وتكلف ثمنا غاليا يدفعه الاحتلال هو كبر حجم الضغوط الكبيرة والحصار من الداخل والخارج عليها، واصطفاف العالم حول عدالة قضية القدس المحتلة والقضية الفلسطينية عموما، وهو ما تجلى بوضوح بتهديدات "ترامب" لدول العالم التي قد تصوت ضد قراراته سابقا ولاحقا.
الوضع الفلسطيني بحاجة لأي مصدر قوة كان ومن أي مكان، كي يدعم موقفه في الحصول على حقوقه ورحيل الاحتلال، وما بعد الانتصار المعنوي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، صار لزاما ترتيب البيت الفلسطيني على أسس وطنية جامعة، وبرنامج نضالي موحد، وإلا فقدنا قيمة وطعم الانتصار في الجمعية العامة، فالقوة والانتصار دائما يأتيان من الداخل، وكلما قوي الداخل قوي الانتصار، والحراك الدولي يعزز الجبهة الداخلية ويدعمها ويقويها، ولكن ليس هو الأساس في التحرير والعودة على أهميته.