بين مد الحياة وجزر المسؤوليات تتراكم الكثير من التساؤلات عن ماهية الشخصية المسؤولة، وعن تقهقرها في مجتمعنا، وأسباب هذا التقهقر.
لربما نلحظ التغير الذي طرأ على أحوال الشباب بما فيها الشكل والمضمون، فعلى سبيل الشكل، بات الشاب يميل إلى التقليد الأعمى، مهما كانت جنسيته، فأصبح لدينا حقول من الشعير فوق الرؤوس، وبنطال بالكاد يمسك بصاحبه، وبنطال به من التمزق ما به، وشباب تجر سلسلة تنتهي بحيوان بات نوعا من أنواع "البرستيج" وهو نوع من أنواع الكلاب، وتخنث في الحديث لدرجة الاشمئزاز، بات لدينا هوس بالموضة عند الشباب يوازي ما عند النساء، ونحن لسنا ضد التغيير، بل نحن مع التغيير نحو الأفضل.
على الشاب أن يكون واعيا بثقافة الانتقاء، فلا يخدش رجولته، ولا يضيع هيبته، ولربما الإشكالية ليست في الشكل فحسب، فحين يكون الشكل هكذا مع مضمون جيد فلا بأس، بل الكارثة حين يتواءم الشكل مع مضمون يشبهه، فالمضمون من الداخل خاوٍ رديء.
إن اهتمام الشاب بتطوير شكله مع عدم اهتمامه بتطوير جوهره، أو انحدار في الجوهر ينبئ عن كوارث اجتماعية قادمة، فالشباب عماد الأمة، وهيكل المجتمع، وقوام الشعوب.
عندما يكد رب الأسرة ويتعب؛ ليوفر لابنه الأقساط الجامعية، ويأتي ابنه اللا مسؤول ليذهب بالنقود سدى من خلال إهماله لدراسته، وصرف ما يوفره له أبوه على (الدخان، الشيشة، الجل وقصات الشعر والصبغة...) فهذا مؤشر على أن هذا الشاب لا يملك أدنى مسؤولية، وإن كان الخلل في البداية من التربية الأسرية لكنه وصل للمرحلة الجامعية ربما واختلط بالآخرين، ولديه كتب يطلع عليها، وقدوات في الجامعة، في المسجد، في... عليه أن يوقظ الشعور بداخله، ويعرف إطار حقوقه وواجباته.
ويطل علينا نموذج آخر لشاب من سلالة البسكويت، يطلب الزواج، ثم بعدما يتزوج لا يستطيع أن يتحمل تبعات الزواج ومسؤولياته، فيريد أن يخرج ليسهر مع أصدقائه، أو أنه غير قادر على تحمل الأعباء الناتجة عن بناء أسرة، فيؤول حال الأسرة الجديدة إما للتفكك أو التصدع.
وشاب آخر يجلس في البيت ولربما عُرض عليه العمل، أو توفر له، لكنه فضل أن يبقى مستأنسا بجدران البيت، أو مرابطا على (الكوفي شوب) ينتظر من والده التي تهالكت قواه من العمل مصروفا، فلا هو أحسن التصرف فيه، ولا حاول البحث عن عمل، فربما لا يريد إلا أن يعمل في مجال تخصصه، ويرفض فكرة العبور للتخصص من خلال جسر متوفر يبني فيه شخصيته حتى يجد ما يناسبه، فيتحمل واجباته كاملة تجاه أسرته التي تعبت من أجل توفير لقمة العيش له، أو توفير قسط جامعي له... إن مثل هؤلاء الشباب يندرجون تحت مسمى (شباب من سلالة البسكويت) حيث إن الهشاشة ديدن شخصياتهم، فهم عاجزون عن تحمل أي مسؤولية، قابلون للانكسار والتحطم؛ لأنهم لا يملكون مقومات التحمل، والتقشف، وفاقدون لإمكانات التصدي لضربات الحياة.
على هذه الفئة من الشباب إعادة بلورة نظرتها نحو الحياة، فهناك جد كما هناك لهو، فلا يغلب لهوك جدك، فتضيع.
وعلى الأهل تربية أبنائهم على تحمل المسؤولية، والخشونة، فلا يتهاونوا في تربية أبنائهم، لأن هذه التربية ستفرز لنا الجيل الذي تتكئ عليه الأمة، وقبل ذلك ستفرز للأسرة حصادا طالما انتظروه، فأحسنوا الاعتناء بنباتكم، فالثمر على قدر هذا الاعتناء.
ويا معشر الشباب، إن الرجولة لا توَرَّث، بل تمارس من خلال المواقف، وخير الرجال من ربى نفسه قبل أن تربيه الحياة بقسوتها.
إن من اختار أن يكون من سلالة البسكويت سيظل عرضة للتهشم مع نقرة خفيفة من الحياة، والذكي من حصن نفسه بإضافة كل ما يلزم لتماسك قوام الشخصية وبنائها.