تذكرت اليهودي اليعيزر بن يهودا، وأنا أقرأ الجملة الرائعة التي قالها الأستاذ الجامعي عبد الصمد بلكبير، خلال افتتاح أسبوع اللغة العربية في المغرب.
قال الدكتور عبد الصمد بلكبير في المغرب: لا يمكن تصور سيادة لأمة دون تصور سيادة لغتها. هذه الجملة التي مارسها بالفعل اليهودي اليعيزر بن يهودا قبل أكثر من مائة عام، حيث كان أول من نشر فكرة إحياء اللغة العبرية على أرض فلسطين، حين كان عدد اليهود القادمين إلى فلسطين لا يتعدى بضعة آلاف، يتحدث كل منهم لغة البلاد التي لفظتهم، لقد أدرك قادة الصهاينة أن أولى مقومات الدولة هي اللغة المشتركة، لذلك شرعوا في تأسيس قاموس اللغة العبرية، والذي عرف بقاموس بن يهودا، وأقاموا المدارس العبرية، وأسسوا الجامعة العبرية في القدس 1925 في الوقت الذي كان فيه عدد اليهود في فلسطين خمسين ألفًا.
وبهدف نشر اللغة العبرية في أوساط اليهود، تم تأسيس اتحاد مدرسي اللغة العبرية في فلسطين عام 1903، بمشاركة 60 معلمًا يهوديًا، وكان الهدف هو استخدام العبرية في الحياة اليومية، حتى وصل الأمر باليهود إلى تنبيه بعضهم إلى ضرورة التحدث باللغة العبرية في البيت وفي الشارع وفي العمل وفي كل مكان، فإذا أخطأ أحدهم، وتحدث لغة غير العبرية في الشارع ينبه عليه من الآخرين بهذه العبارة: "تحدث بالعبرية يا يهودي".
لقد وجد اليهود القادمون إلى فلسطين صعوبة في التعامل باللغة العبرية، ولكن انتماءهم إلى اليهودية فرض عليهم الصبر، وتعلم العبرية، والنطق بها، والتعود عليها، حتى طغت اللغة العبرية على كل اللغات التي جلبها معهم اليهود الغاصبون لأرض فلسطين.
وبمقدار ما حرض اليهود على إحياء اللغة العبرية، وفرضها لغة رسمية على كل السكان في فلسطين، حرصوا على تدمير لغات الآخرين، ولا سيما اللغة العربية، التي أدرك قادة الصهاينة أن وجود لغة عربية واحدة في منطقة الشرق هي من أول مقومات إحياء أمة واحدة، لذلك حرصوا على تخريب التعليم في بلاد العرب، وحرصوا على تشجيع اللهجات المحلية، وتلويث اللغة العربية بمفردات، وأشعار، وأمثال شعبية تهدف إلى التشكيك بكفاءة اللغة ومخزونها اللغوي.
لقد درست الشعر في اللغة العبرية، واكتشفت أن الشعراء اليهود يلتزمون بالقافية في أشعارهم، ويتقيدون بالوزن، أو ما يعرف بالموسيقا الشعرية، ويلتزمون باللغة التراثية، والموروث اليهودي، ويعتمدون التناص، ومصدر إلهامهم كتابهم التناخ المعبأ بالحقد التاريخي المكتنز.
وقد لفت انتباهي أن كثيرًا من المؤسسات والجمعيات المدعومة من الخارج، تحرص على إفساد الذائقة الفنية، وتدمير اللغة العربية، وذلك من خلال طباعة بعض الأشعار، ورعاية المهرجانات، والاحتفالات التي تقدم الجوائز لكتابات منفلتة اللفظ والتعبير، وأشعار لا تحكمها ضوابط الفن الشعري، وأطلق على بعض منهم لفظة شعراء، وهم لا يفقهون فن الكتابة الشعرية، ولا يحسنون تركيب الصورة الفنية، ولا دراية لهم بتوظيف اللغة بمكنونها الجمالي، ولا يدركون لذة الموسيقا الداخلية والخارجية للشعر، وهم يجهلون أثر القافية على المستمع.
لما سبق، كانت كلمة الدكتور عبد الصمد بلكبير، في العاصمة المغربية الرباط، معبرة عن الواقع حين قال: إن الحرب على اللغة هي جزء من حرب شاملة تشن على السيادة وعلى الأسرة وعلى الأخلاق، وغيرها. وتابع: الاستعمار القديم كان يستعمل القواعد العسكرية، أما الاستعمار الجديد فيستعمل القواعد الثقافية واللغوية بذكاء مفرط.
في أسبوع اللغة العربية، نحن أحوج ما نكون إلى أحضان لغتنا العربية، نحتمي بمفرداتها، ونزهو بماضيها، ونحرص على تطويرها، لنتدفق وعيًا في مفاصلها المتحركة نحو المستقبل، والتي ستأخذنا كأمة إلى الوحدة والحرية بعيدًا عن التذويب والتشتيت والتفرقة والتطرف.