ماذا تراه يفكر في أمته عندما كان يصر على تقدم صفوف المتظاهرين وهو مقعد مقطوع الساقين؟، كيف ينظر إلى الأمة التي تشتتت قواها ذات اليمين وذات الشمال من غير أن تتجه بوصلتها نحو القدس؟، هل باتت مثله مقعدة أم أنها أتقنت دور المقعد دون أن تكون مقعدة وهي تملك ما تملك من قدرات عسكرية هائلة وثروات مادية لا حدود لها وموارد بشرية تعد بمئات الملايين؟، لماذا إذًا تقاعست واكتفت بإصدار البيانات، وما هو من قبيل أضعف الإيمان من قول دون عمل؟!
يتقدم إبراهيم بساقيه المقطوعتين، في حين الأمة سيقانها طويلة وقوية وقادرة، ولكنها التفت الساق بالساق خوفًا وجبنًا وتآمرًا وتقاعسًا وتناحرًا فيما بينها، إبراهيم يقيم حجة بمقام أمة، بمفرده يشهر سيف قلبه الحر ويقاوم جحافل شر العالم كله، كل عالم الشر بكل جبروته يواجه هذه الإرادة الحرة التي تقف شامخة في قلب إبراهيم، ماذا تريدون منه؟، تريدون سحله من مقدساته كما سحلتم ساقيه من جسده؟!، تريدون نزع قلبه من جسده؟!، ألا تعلمون أن القدس قلبه النابض؟!، تطلبون منه التنازل عن قلبه؟!، يا لصلفكم من غباء، إذا أخرجتم هذا المقعد لمواجهة طغيانكم فأين تهربون من الموت القادم لكم؟!، أين تفرون من غضب شعوب مقهورة من عشرات السنين بسببكم؟!، أرجعوا البصر كرتين لينقلب بصركم حسيرًا، عندما ترون هذا المقعد يأتي لمواجهتكم زحفًا، فماذا عن الذي يخبئه لكم قدر هذا الشعب الحر فيكم؟!
ألا يذكركم هذا الرجل برجل آخر كان مقعدًا فقض مضاجعكم وطير النوم من جفونكم؟!، ألا يذكركم بالشيخ أحمد ياسين الذي صببتم عليه جام أحقادكم كلها دفعة واحدة، لعل هذا يخفف قليلًا من لهيب غيظكم عليه؟!، هذا الشيخ الذي أدار الدائرة عليكم، وجعل رجاله الأحرار شوكة في حلقكم، منجلًا في صدوركم، لا أنتم قادرون على نزعه ولا على التعايش مع ألمه؛ قلب المعادلة وجعل غلبتكم على أمة عظيمة وعريقة بثلة من رجاله توازن رعب يهددكم بزوال وجودكم وقرب انهيار مشروعكم.
إبراهيم بلغ الثريا وحلق في سماء القدس، وضرب نموذجًا طاهرًا بهذه الشهادة الحية على جرائم هذا الاحتلال الخارج عن دائرة الزمن لهذه البشرية بخيرها وشرها، ولم يسبقه أحد إلى هذه الجرائم، فكيف يجيز لنفسه إطلاق النار على مقعد بمقاومة سلمية؟!
لو كان إبراهيم استشهاديًّا أو مقاومًا عسكريًّا لقالوا ما اعتادوا قوله من مصطلحات الإرهاب والتطرف والداعشية، ولكن هذا الذي يطلق النار على مقعد لا يملك سلاحًا سوى إيمانه بقضيته ألم يسبق داعش في توحشه ودمويته؟!، لو كان العكس فحدث أن فلسطينيًّا قتل إسرائيليًّا مقعدًا لا يحمل سلاحًا لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وأدانت دول عظمى هذا العمل الإرهابي الجبان، ما لهم عندما يكون الضحية فلسطينيًّا يصمتون صمت القبور؟!
إبراهيم يقيم الحجة على هذا العالم الظالم، بعد أن أقام الحجة على أمته التي تصر على أن تكون مقعدة في مواجهة جبروت الظلم والطغيان لهذا الكيان المارق، إبراهيم بجسده العاري وساقيه المقطوعتين يثبت للعالم أجمع أن شعبًا ينتمي إليه لا يمكن أن يتنازل عن قدسه، لا يمكن أن يساوم عليها ولا يمكن أن تفتر عزيمته في تحريرها من هذا الغاصب، الذي فقد أي إحساس بأي خلق أو عرف إنساني أو شرعة دولية، وأن جيشًا يجيز لجنوده هذه الجريمة هو جيش مأزوم ومهزوم ويعاني من رعب داخلي، أن يرى خطرًا قادمًا من هذا الرجل فيقتله هذا جيش لا يحمل أية قيمة إنسانية، لا يعرف إلا القتل وسفك الدماء، وعلى العالم الذي يزعم أنه حرًّا أن يراه بالعين نفسها التي يرى بها داعش وكل جماعات التوحش، سواء أكانت من صنيعته أم كانت من صنيعة غيره من قوى الشر والظلام في هذا العالم.