ربما تمنى البعض لو أن حماس أضاءت شمعتها الحادية والثلاثين بالحد الأدنى من الحضور الجماهيري بذريعة أن الوضع العام لا يسمح، وأن بطون الناس أولى مما ستنفقه حماس على فعاليات الانطلاقة.
القول الفصل في هذا هو أنه حقٌ يُرادُ به باطل، فلو فعلت حماس ذلك ستبدأ سيمفونية هذا البعض بالعزف على وتر أن الناس قد انفضت عن حماس، وأن فلسفة الحصار قد آتت أكلها، ثم يمعن هذا البعض بفرض المزيد من العقبات والعقوبات أمام آمال الناس، كي يحقق المزيد مما يظنه انتصارات له.
لكن حماس وهي التي تعرف وتدرك طبيعة المتغيرات داخليا وخارجيا في المرحلة الحالية وقسوة هجومها عليها. صممت على تنظيم مهرجان الانطلاقة لترى وتُري الآخرين حجمها وشعبيتها فتنظر ما ستفعل وسيفعلون.
إن التفاف الجماهير حول نهج الجهاد والمقاومة يؤكد أنه وبالرغم من مسيرة الألم والاغتيال والحصار والحرب، فإن حماس تدخل في عامها الجديد وهي واثقة من أن حضنها الجماهيري ماضٍ في دعمها، لأنه رأي أن في الأمة من يمتلك جرأة قول لن نعترف بـ(إسرائيل) ويتحمل دفع الفاتورة، في الوقت الذي يتهافت فيه الكثيرون للانبطاح تحت قدميها.
ولو أردنا استقراء رسائل حماس لوجدنا أن رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بما يملكه من شخصية كاريزما قد تحدث عن أن القدس كانت وستبقى عاصمة لفلسطين، وأن حماس حركة ذات بنية قوية وصلبة وأصبحت رقما مميزا ومؤثرا لا يمكن تجاوزه، وأن الكل العربي والإسلامي مطالب بدعم القدس والمقاومة، وأن حماس منفتحة على الجميع ضد الاحتلال، وأن صفقة القرن لن تمر، وأن المصالحة الفلسطينية خيار استراتيجي لا رجعة عنه. وأشاد إشادة واضحة بموقف كل الدول والمؤسسات والشخصيات التي رفضت قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بالقدس.
ومما لاقى قبولا كبيرا في مهرجان حماس:
1- وضع صورة القدس وشعار (القدس عاصمة فلسطين) هو تأكيد على عروبة وإسلامية القدس وأن قرار ترامب لن يغير في عقيدة المسلم شيئا تجاه القدس.
2- مشاركة الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية في المهرجان شكل لوحة وطنية جميلة تؤكد أن الكل يجمع على أن المقاومة هي أفضل الخيارات للتعامل مع العدو.
3- الحشد النسائي البارز في المهرجان، وهذا يعكس اهتمام حماس الكبير في المرأة باعتبارها نصف المجتمع وتربي النصف الآخر.
4- ردد هنية شعار الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) وهو (على القدس رايحين شهداء بالملايين) فوجد تفاعلا كبيرا من الجمهور وهذا يعكس مدى ارتباط الجمهور بالقدس بغض النظر عمن يردد هذا الشعار.
5- حجم الجهد المبذول في إخراج المهرجان في أفضل صورة فنية تعكس مدى التزام كل عنصر بما كلف به من مهام.
إن قراءة تجربة حماس من الميلاد حتى الآن تعني بذل الكثير من الجهد والغوص في أعماق تفاصيل ومفاصل الحركة في كافة مراحلها عبر مساءلة الأحداث ومتابعتها واستنطاقها للخروج بأدق التقييمات، والتأمل المستمر للفعل المقاوم على كل الأصعدة.
إن حماس بهذه المرحلة وهي تحاول تنقيح عقلية الجيل الحالي مما علق به من وهن، تعمل وبكل عزم على تلقيح الجيل الجديد بحقن الشهامة والكرامة، وهذا يؤكد أن قوة حماس لا تكمن في نفي سلبيات الماضي ومنظومته الانهزامية فقط، بل في إعادة صياغة أهمية المكان (فلسطين) في الوعي العربي والإسلامي في ظل انهيار المنظومة الأخلاقية والوطنية العربية والإنسانية.
خلاصة القول أن محافظة حماس على شعبيتها رغم كل ظروف العزل التي يمارسها الأعداء والخصوم هو دليل على إدراك الجمهور لحجم المكائد على المقاومة وأن الحاجة لرغيف الخبز لا تنسي الأحرار مبادئهم.