لقد شمل خطاب "أبو مازن" أمام المؤتمر الإسلامي في تركيا أمس، العديد من النقاط المهمة والإيجابية لكنها غير كافية في مواجهة إعلان ترامب المشؤوم بأن القدس هي عاصمة الدولة اليهودية .فقد أكد أبو مازن على انتهاء دور أمريكا كوسيط محايد في عملية السلام ،وضرورة البحث عن آلية جديدة في إدارة هذه العملية ، كما أكد عزمه على التوجه بمشروع إلى مجلس الأمن ضد أمريكا ومطالبة الأمم المتحدة بأن تكون فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة .
إن العامل الأهم في هذا السياق هو التطبيق العملي والمباشر لما تم إعلانه من تصريحات ، فالشعب الفلسطيني له تجربة مريرة مع الاجتماعات والبيانات والشعارات التي لا يتبعها أي تطبيق عملي على الأرض ،ويكون الهدف منها هو التوافق الشكلي مع آمال وتطلعات الجماهير ، والتي طالبت بأكثر من هذا ، أي بقطع العلاقة مع الولايات المتحدة ، وطرد السفراء وإعلان موت العملية السلمية التي تترنح منذ سنوات.
يتساءل الكثير من المراقبين عن مدى جدية الرئيس "أبو مازن" في مواجهته إعلان ترامب المشؤوم ، وكيف يمكن فعل ذلك في ظل حالة فلسطينية ما زالت تعاني من آثار الانقسام بسبب تباطؤ وتردد "أبو مازن" في المضي قدما في عملية المصالحة . حيث يعتبر الكثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني أن أحد المؤشرات المركزية لجدية "أبو مازن" هو تعزيزه للوحدة الوطنية على أرض الواقع .
ومن الواجبات المفقودة في إجراءات المواجهة التي أعلن عنها أبو مازن هو تحركه بشكل منفرد ، ودون عقد أي اجتماعات عاجلة وطارئة لأي من المؤسسات الوطنية للشعب الفلسطيني مثل الإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية أو المجلس المركزي أو غيره من المؤسسات . ومن المحتمل أن يتم ذلك ولكن بشكل متأخر على ما يبدو وبعد انتهائه من وضع أسس وقواعد بل وتفاصيل المواجهة التي يراها هو بنفسه .
كما أن استمرار التنسيق الأمني وفق العديد من المصادر العربية والأجنبية، ومنها ما ذكره المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرنوت 10-11-2017، هو أمر يلقي بكثير من ظلال الشك والريبة على جدية أو على الأقل على فاعلية المواجهة لقرار ترامب التي أعلنها أبو مازن في الكثير من التصريحات ، وهكذا يظهر أنه لم يتم على الأقل الإشارة بوضوح إلى إجراءات فلسطينية لمواجهة دولة الاحتلال ، مما يمكنها من اعتبار إعلان ترامب كمسألة تخص العلاقة بين السلطة الفلسطينية وأمريكا ، وتتخذ من ذلك ملاذا آمنا لها من أي ضغط حقيقي لاستئناف العملية التفاوضية وتستمر في الواقع في فرض وقائع على الأرض تعزز تهويد القدس والنشاط الاستيطاني في مجمل الضفة الغربية .
وأخيرا فإن خطاب "أبو مازن" وما أعلن عنه من خطوات ، وعلى الرغم من سقفه الأعلى نسبيا من قرارات المؤتمر نفسه، إلا أنه ما زال أقل من تطلعات وآمال الشعب الفلسطيني ، والذي كان يرجو أن يعلن رئيسه عن خطوات أكثر جدية ، ومبادرة تجاه تعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية من خلال دعم المصالحة ، ورفع المعاناة الإنسانية عن سكان قطاع غزة من خلال رفع العقوبات وإعادة الاعتبار للمقاومة بكل أشكالها كما جاء في وثيقة الأسرى التي احتفى بها وهي وثيقة الوفاق الوطني 2006 .