في جيب حياة كل فتاة أسرار، كيف تتعامل معها؟ وكيف تعالج أمرها إن هدها التعب، وناءت بحملها؟
إلى كل فتاة ظنت أن الحياة لهو وترف، أو ظنت أن المخرج من الواقع هو اللعب في مسرح الخيال الذي يؤدي إلى حالة تنافر مع الواقع... إلى الفتاة التي ظنت بأن رفيقاتها سيحملن سرها بأمانة...
إن ما تعيشه الفتاة من جفاف عاطفي في مرحلة ما، بالذات الجامعية، قد ينعكس سلبا على حياتها ومستقبلها، لا ينقذ الفتاة من تعطشها للعاطفة إلا قوة دينها، وحسن تربيتها.
على كاهل الأب والأم والأخ مسؤولية الإشباع العاطفي للفتاة في البيت، أشعروها بقيمتها، اثنوا على جمالها، أغدقوا عليها بكلمات الشكر عندما تقوم بعمل في البيت، امدحوا تفانيها في الدراسة.
إن كلمات حب قليلة كفيلة أن تنقذ الفتاة من كارثة الجفاف العاطفي الذي لا تحمد عقباه، فالأم عليها أن تضم ابنتها إلى صدرها وتجلس معها، وتحادثها في أمورها الشخصية، ما أفجع أن تسمع أما تخجل من محادثة ابنتها في أمور الحياة، فلا هي تُعلمها، ولا هي تقيها كثيرا من أمراض الحياة.
إن الفجوة بين الأم وابنتها كفيلة أن تدمر فتاة، فأين يذهب سر الفتاة وما يجول بخاطرها؟! من يحتويها؟ من يملأ الفراغ بجوف القلب؟ هذه الفتاة التي تعود من مدرستها أو جامعتها إلى البيت، ولا تجد ابتسامة تستقبل بها، ولا اهتمام بأحوالها وأحوال دراستها، ولا من يطبع قبلة على جبينها، ويسمعها عبارة "اشتقت إليك" "تبدين جميلة بهذا اللباس" "يسلموا إيديكِ" كل هذا يترك فراغا، والحقيقة أن كل فراغ هو معبأ بالهواء، ومثلما تعبأ الفراغ بالهواء، سيعبأ الفراغ الذي تركناه في حياة الفتاة بشكل أو بآخر...
لماذا نترك هذه الثغرة لغريب؟ وربما لصديقات السوء؟ لماذا لا يشبع الأب ابنته حاجتها من العاطفة، فلا تذوب حين يسمعها أخدهم بأنها جميلة، وربما لم تكن كذلك على سبيل مقاييس الجمال، لكنها أُخذت بالكلمة لمجرد انبهارها بها، فلم تعتد سماعها، كيف نترك الآخرين يسيطرون عليها من باب الثناء، إحاطتها بالاهتمام، ونفشل نحن في إعطائها هذا، فتذهب إلى من يشعرها بأهميتها ويمنحها شيئا من الحب المزيف أو الحقيقي سواء من صديقة أو من أهل سوء؟
بعض الفتيات قد تتورط في علاقات غرامية، وتخشى مصارحة أهلها، وتكبر الحكاية وتتضخم، ربما تصل إلى ما لا نريده... تحاول مصارحة أحدهم، لكنها تحجم بسبب ردة فعلهم المتوقعة، فتلجأ بسرها لصديقة، ولكن هل هو الطريق الصواب؟ بل إن هذه الصديقة أحيانا هي سر تفاقم المسألة، فتزين لها الصورة، وتعينها على الاستمرار، وتحاول أن تقنعها بأن هذا سيخرجها من الملل والإهمال الذي تعيشه في البيت. شيئا فشيئا تتغير أحوال الفتاة، ويتقلب مزاجها، وربما تهمل دراستها بل في الأغلب ستهملها، وتتقوقع على نفسها، وتزداد الفجوة بينها وبين أهل البيت، فقد أصبح لديها أسرار تحتفظ بها لنفسها، بل وتخشى الاختلاط والاحتكاك بمحيط الأسرة خشية كشف سرها.
ماذا لو اقتربت الأم من ابنتها؟ وتفهمت الوضع، وربما لجأت لمن هو أهل للحكمة، وبعد البصيرة، وأهل للثقة إن لم تكن قادرة على حل المشكلة أو توجيه ابنتها... على الأب والأم التعامل بحكمة، وعليهم احتواء بناتهم، كي لا يأتي وقت يضيع منهم زمام الحبل، ولا يستطيعون اللحاق به. أشبعوهم حبا وحنانا، فقلب الإناث يتحاج حبا وعطفا أكثر من حاجة معدتهن للطعام.
وعلى الأخ أن يرفق بأخته، فلا يوبخها طيلة الوقت، ويحترم عقلها ورأيها، يخرج معها، يشتري لها بعض الهدايا، يشعرها بأنه سندها لا العصا التي يلوح بها المجتمع لتكون وازع الرهبة والخوف.
اخترقوا قلوبهن بالحب؛ لتحصلوا على أسرارهن بسلاسة؛ ولتحوذوا رضا الرحمن، ويا حظ من كان له بنات وأحسن تربيتهن وأكرمهن، فما تزرعه يداك اليوم يحصده خاطرك غدا، وإن تأملنا قول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
سنعلم بأن التربية أمانة عظيمة، والأمانة حمل ثقيل، فكونوا على قدر الأمانة.