تعرض رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لحملات تشويه لسيرته العطرة من قبل وسائل الإعلام الغربية، والتي استعانت برسامين كاريكاتوريين للسخرية منه، ما أثار غضب المسلمين وحفيظتهم سواء في البلدان التي حدثت فيها الإساءة أو حتى في البلاد العربية.
ففي 30 سبتمبر 2005 قامت صحيفة يولاندس بوستن الدانماركية بنشر 12 رسمًا كاريكاتوريًا مسيئًا للرسول، وبعد أقل من أسبوعين؛ وفي 10 يناير 2006 قامت الصحيفة Magazinet والصحيفة الألمانية دي فيلت والصحيفة الفرنسية France Soir وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر تلك الصور الكاريكاتورية.
وقوبل نشر هذه الصور المسيئة بموجة غضب شعبي وسياسي في العالم الإسلامي، وأخذت الاحتجاجات طابعًا عنيفًا في دمشق، حيث أُضرمت النيران في المبنى الذي يضم سفارتي الدنمارك والنرويج في 4 فبراير 2006، كما تم إحراق القنصلية الدنماركية في بيروت في 5 فبراير 2006.
التشويه لا ينتقصه
فمن جهته، يؤكد د. محمد أبو صالح الباحث في وزارة الأوقاف بمحافظة الخليل أنه كلما حدثت هجمة على الإسلام، زاد عدد المسلمين وزاد كذلك تمسكهم بعقيدتهم، مشيرًا إلى أن الغرب الذي يهاجم الإسلام كثير من أبنائه المثقفين دخلوا في الدين الإسلامي.
وقال في حديث لصحيفة "فلسطين": "شاهدت مقطع فيديو قبل عدة أيام لأناس يصطفون في طوابير أمام مسجد في فرنسا حتى يشهروا إسلامهم"، معتبرًا ذلك دليلًا على أن الإسلام انتشر بالعقيدة والعلم والثقافة.
وأضاف: "وأكثر ما يدلل على أن الإسلام انتشر بالعلم والثقافة أن دول شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وغيرها، لم يدخلها ولا جندي مسلم في الحروب والفتوحات الإسلامية، وإنما دخلها الإسلام عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يعاملون الناس معاملة حسنة".
وتابع: "الآن في الغرب مثل فرنسا وإيطاليا دخلهما الإسلام بسبب بحث أصحاب هاتين الجنسيتين عن الحقيقة الدينية التي لا يوفرها دين غير الإسلام"، على الرغم من الحملات المسعورة الآخذة في الانتشار.
وأكد أن الدين الإسلامي هو ظاهرة عالمية ولا يمكن لأي حملة تشويه أن تنتقص منه، كونه عقيدة الله على الأرض والتي تكفل الله بحفظها، منبهًا إلى أن "أتباع محمد" سيحافظون على هذه العقيدة لأنها دين الله في الأرض.
تواصل المد
وفي سياق متصل، يؤكد الداعية الإسلامي من الداخل المحتل عام 1948، الشيخ محمد عارف، أن ميلاد النبي عليه الصلاة والسلام كان منارة أضاءت الواقع المظلم الذي كانت من قبله في الشرق.
وقال في حديث لصحيفة "فلسطين": "أرسل الله رسولنا الكريم لهداية الناس ولم يبق محصورًا في العرب فهو (رسالة للعالمين) وتواصل المد الإسلامي بعده حتى بلغ الأندلس ودول أوروبية وأفريقية عديدة".
وأشار إلى أن أعداء الدين الإسلامي لم يسمحوا لهذا المد بالمواصلة؛ وحاربته من خلال تنفيذ حملات تشويه الإسلام ولسيرة رسولنا الكريم، والذي تعرض للإيذاء في مواقف عده بأيديهم وألسنتهم".
وتابع: "إن الهدف من حملات التشوية هو محاصرة الإسلام وتحقيق الانحسار للإسلام أي منعه من الانتشار من خلال محاصرته والتي تتحقق عبر تغييب الدعاة بالسن أو النفي أو القتل وغيره".
واستطرد: "أو من خلال اتهام هذا الدين بأنه دين (رجعي) وتنفيذ حملات منظمة لتحقيق هذا الادعاء"، مشددًا على أن حملات التشويه زاد عدد المسلمين الذين دخلوا في الإسلام بسببها، وكلنا يذكر كيف أسلم عمر بن الخطاب".
ودلل على كلامه بإعدام شيخ الإسلام سيد قطب عام 1966 والذي تمت طباعة كتابه "معالم في الطريق"، المتضمن مقالة بعنوان "الحاكمية لله"، وقال: "إن هذا الكتاب كان محظورًا وممنوعًا تداوله وفي اليوم التالي لإعدام سيد قطب تم طباعة وتوزيع 10 آلاف نسخة جديدة منه، أي أن هذا الكتاب انتشر ولم يندثر".
وقال: "كان إعدام سيد قطب سببًا في انتشار كتابه وهو ما حصل مع الدعوة الإسلامية التي كلما تعرضت لاتهامات مختلفة كلما زاد انتشارها وعدد المنخرطين فيها"، مشيرًا إلى أن نفس الأمر ينطبق على الحركة الإسلامية في الداخل المحتل عام 1948 بعد اعتقال وتغييب الشيخ رائد صلاح من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف: "لقد وعد الله المسلمين أن يستخلفهم في الأرض كما وعد بحفظ الدعوة الإسلامية وكتاب الله القرآن الكريم"، لافتًا إلى أن حصار قطاع غزة لم يخف راية التوحيد التي تخرج من قطاع غزة والذي يقود المقاومة الفلسطينية.
ردود فعل
ومن أبرز ردود الفعل العربية على واقعة الرسوم المسيئة، طلب 11 سفيرا عربيا مقابلة رئيس الوزراء الدنماركي، أندرس فوغ راسمسون، في 12 أكتوبر/تشرين الأول، لمناقشة الإساءة قبل أن تتطور ردود الفعل, لكنه برر رفضه بعدم امتلاكه "أي نفوذ في القضية".
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول، طالبت الخارجية المصرية من الحكومة الدنماركية اتخاذ موقف مندد من الإساءة، ورد مسؤول لجنة الشؤون الخارجية في حزب رئيس وزراء الدانمارك بأنه "لا حل وسط تجاه مسائل حرية التعبير ومفاهيم الدنمارك الديمقراطية".
وفي يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط عام 2006 انطلقت حملة مقاطعة واسعة للسلع والمنتوجات الدنماركية, واندلاع مظاهرات عنيفة استهدفت السفارات الدانماركية في أكثر من مكان في العالم الإسلامي.
وفي عام 2007 ظهرت قضية الرسوم مجددًا على خلفية محاكمة مجموعة اعتقلها الأمن الدنماركي بتهمة "التخطيط لعمليات إرهابية" من مدينة أودنسه، حيث ذُكر أن أحد المتهمين كان يناقش قضية الرسوم على الإنترنت.
وفي 05 فبراير/شباط من عام 2008 أحبطت الشرطة الدنماركية محاولة اغتيال كورت فوسترغورد أحد رسامي الكاريكاتير الـ12 في صحيفة "يلاندس بوستن".