فلسطين أون لاين

​"وأنا خيركم لأهلي"

الرسول "زوج" يصبُّ الحبَّ على نسائه صبًّا

...
غزة - نسمة حمتو

تهلّ علينا اليوم ذكرى عزيزة على قلوبنا ألا وهي مولد النبي صلى الله عليه وسلام، الذي شغل حبه القلوب حتى وقف أحدهم على مشارف وادي العقيق في المدينة المنورة فقال: "وقوفي بأكناف العقيق عقوق، إن لم أرد والدمع فيه عقيق، وإن لم أمت شوقًا إلى ساكن الحمى فما أنا فيما أدعيه صدوق".

ونحن معشر المسلمين مطالبون بالاقتداء بشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فليس لنا أن نحاكيه أو أن نقلده في طوله أو عرضه أو لونه وما إلى ذلك؛ إلا أننا مطالبون بمحاكاته في طباعه وأخلاقه وتعاملاته والتي منها الاقتداء به زوجًا في أكثر من بيتٍ للزوجية.

أسباب زواجه

يقول الشيخ الداعية مصطفى أبو توهة: "قبل الدخول في هذا العنوان الشريف قد يسأل سائل لماذا كانت هذه الكثرة الملحوظة في عدد زوجاته، حيث تزوج بـ13 امرأة ومات وعلى ذمته تسع زوجات، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج وإنما زُوِّجْ؛ إذ الأولى مبينة للمعلوم والثانية مبنية للمجهول، ومصداق ذلك قوله تعالى: "فلما قضى زيدٌ منها وترًا زوجناكها"، وقوله تعالى: "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجً خيرًا منكن".

وتابع حديثه: "الفاعل في تلك الأفعال السابقة عائدٌ إلى أقرب مذكور وهو الله تعالى، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يستفرد بهذا العدد؛ وقد كان متماشيًا مع ما تعارف عليه العرب وأبناء عصره من كثرة الزيجات؛ ثم إن اكتفاءه بأربعةٍ لم يكن متزامنًا مع الآية التي تحرم الاقتران بأكثر من أربعة ثم لو طلّق واحدة منهن؛ لكان في ذلك إيذاء لمشاعرهن حيث تمثل الواحدة منهن زوجة لنبي ثم هي موعودة بصحبته في الجنة وفي ذلك إيذاء لمشاعرهن".

وأوضح أن المستفيد الأول من هذه الكثرة نحن الأتباع؛ وذلك لأن الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام يشمل كل نواحي حياته في رضاه وغضبه في ليله ونهاره في مدخله ومخرجه من بيته مع زوجاته وبناته وأصهاره وأحفاده.

وأضاف: "بالتالي فإن هذه الكثرة لم تجعل للنبي خصوصية في حياته فكل حياته مكشوفة للجميع، وقد أجمعن كلهن أن ظاهره كان كباطنه وأن باطنه كان كظاهره".

تعامل راقٍ

ولو اقتربنا من الموضوع أكثر لوجدنا أن تعامله عليه الصلاة والسلام مع زوجاته كان راقيًا ومثاليًا؛ ذلك أنه امتلك كل مفاتيح النجاح في زيجاته كلها؛ ومثال ذلك حينما بنى أول عش للزوجية مع شريكته الأولى خديجة رضي الله تعالى عنها والذي اختارها من دون نساء قريش مع أنها كانت تكبره بخمس عشرة سنة وهذا على خلاف ما تعارف عليه الناس.

وتابع أبو توهة: "الرسول اختارها بمزايا لن توجد مجتمعة في غيرها؛ فقد كانت تلقب في الجاهلية بـ"الطاهرة" بالألف واللام والتي تفيد الاستغراق بجميع الطهر والعفاف في بيئة عربية جاهلية تعج بالعفن، ثم هي كانت سليمة الفطرة وعلى دينٍ قبل أن يكون هناك دين؛ وذلك ما أشار إليه قولها "والله لا يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتفكُ العاني وتصل الرحم وتعين على نوائب الدهر".

وأكمل قوله: "إضافة إلى أنها كانت مثقفة وواعية حينما أخذت بيد زوجها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل العالم والمترجم للكتاب المقدس إلى العربية ثم إنها كانت قوية الشخصية؛ حيث كانت تستأجر الرجال في تجارتها وأخيرًا كانت على دراية في علم الحساب وما يتعلق بالتجارة".

أما مفردات التعامل معه عليه الصلاة والسلام مع زوجاته فقد كان خبيرًا بمشاعر وأحاسيس زوجاته حين كان يقول لعائشة رضي الله عنها: "إني لأعلم إذا كنتِ عني راضيةً وإذا كنتِ عني غضبى، أما إذا كنتِ عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنتِ عني غضبى تقولين لا ورب إبراهيم".

حُبّ عائشة

لم تنتهِ القصص بعد في هذا السياق؛ إذ يحاول أبو توهة روايتها بكل حب: "كان عليه الصلاة والسلام يقدّر غيرتها وحبها وبرهان ذلك الطعام الذي أوتي في صحفة لأم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال: من الذي جاء بالطعام؟ فقالوا: أم سلمة، فجاءت عائشة بحجر ففلقت به الصحفة، فجمع النبي بين فلقتي الصحفة، وقال: كلوا؛ يعني أصحابه، غارت أمكم غارت أمكم، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة".

ولا يتحرّج النبي عليه الصلاة والسلام من إظهار محبته ووفائه لزوجته، حيث قال لعائشة في حديث أم زرع الطويل والذي رواه البخاري: "كنت لكِ كأبي زرع لأم زرع"، أي أنا لك كأبي زرع في الوفاء والمحبة، فقالت عائشة بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع، ثم هو عليه الصلاة والسلام ينادي زوجه بأحب الأسماء لها، حيث كان يقول لعائشة: "يا عائشُ هذا جبريل يُقرئك السلام"، وكان يقول لعائشة: "يا حميراء"؛ والحميراء تصغير حمراء يراد بها البيضاء.

سعادة زوجاته

وتابع أبو توهة: "ولا يستنكف النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل مع إحداهن؛ تقول عائشةُ رضي الله عنها: كنت أشرب فأناول القدح النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ وأتعرق العرق فيضع فاه على موضع فيّ، ثم هو عليه الصلاة والسلام ربما اشتكى لإحداهن أو استشارها ولو كان في أدق الأمور، ومن ذلك استشارته لأم سلمة بصلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدي وحلق الرأس فلم يفعلوا؛ لأنه شق عليهم أن يرجعوا ولم يدخلوا مكة، فدخل مهمومًا حزينًا على أم سلمة في خيمتها، فما كان منها إلا أن جاءت بالرأي الصائب: "اخرج يا رسول الله فاحلق وانحر"، فحلق ونحر وإذا بأصحابه كلهم يقومون قومة رجل واحد فيحلقون وينحرون.

ومضى بالقول عن روائع تواضعه: "فهو ربما تنزه واصطحب إحدى زوجاته معه، وأكثر من ذلك حينما سئلت إحدى زوجاته ما كان يعمل في بيته؟ قالت: "كان بشرًا من البشر يخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه".

يُذهب "غيظ القلب"

لا عجب أن يتحامل النبي عليه الصلاة والسلام من أجل سعادة إحداهن؛ حيث دخل أبو بكر على النبي عليه الصلاة والسلام وهو مغطى بثوبه وفتاتان تضربان بالدُف أمام عائشة، فاستنكر ذلك، فرفع النبي الغطاء عن وجهه وقال دعهما فإنها أيام عيد.

وقال: "ومن رحابة أخلاقه عليه الصلاة والسلام أنه كان يعطي زوجه حقها عند الغضب، فحينما غضبت عائشة ذات مرة معه فقال لها: "هل ترضين أن يحكم بيننا أبو عبيدة ابن الجراح، فقالت: لا، هذا رجلٌ لن يحكم عليك لي"، قال: "هل ترضين بعمر؛ قالت: لا أنا أخاف منه"، قال: هل ترضين بأبي بكر "أبيها"، قالت: نعم".

والأجمل من ذلك أنه ربما ذهب النبي إلى أبعد من ذلك اقتداءً حينما يهدئ من روعها حيث يضع يده على كتفها ويقول: "اللهم اغفر لها ذنبها وأذهب غيظ قلبها وأعذها من الفتن".

وقال أبو توهة: "وربما امتدح عليه الصلاة والسلام إحداهن بلا تحرج؛ حيث كان يقول إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على ثائر الطعام، وإذا ذبح شاة يقول أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، وإذا عوتب على كثرة ذكر خديجة كان يقول "إني رزقت حبها".

وفي ضوء السيرة النبوية العطرة وجّه رسالة إلى شباب اليوم؛ موصيًا: "ليس المهم أن يختار الشابُ زوجةً يمكن أن يعيش الحياة معها طولًا وعرضًا كيفما تأتّى؛ إنما المهم أن يبحث الشابُ عن زوجةٍ لا يمكن الاستغناء عنها وهذه عملة نادرة".