شكل الموقف الأمريكي الأخير والقاضي بإغلاق بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال عدم تجديد الترخيص لها إلا إذا امتنعت السلطة الفلسطينية عن اتخاذ إجراءاتٍ للملاحقة القضائية لقادة وشخصيات إسرائيلية متورطة في جرائم ضد الفلسطينيين والعودة إلى طاولة المفاوضات إحدى أهم قمم الوقاحة والاستخفاف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والرازح تحت نيران الاحتلال.
لقد انخفض الأمريكان بهذا القرار درجة أخرى في انحيازهم لصالح الكيان الصهيوني وذلك من خلال حمايتهم من الملاحقة القضائية المشروعة ومحاولتهم نزع أهم الوسائل النضالية السلمية التي يستخدمها الفلسطينيون - وبتردد كبير - وذلك بمحاولة للتوفيق بين حماية الشعب الفلسطيني من ممارسات الاحتلال اليومية وبين الرغبة في عدم إثارة غضب أنصار إسرائيل وخاصة في الكونغرس الأمريكي.
يعد هذا الموقف على نطاق واسع نوعا من مكافأة (إسرائيل) على استمرار سياساتها الاحتلالية والقمعية والمخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية، وصفعة في وجه السلطة الفلسطينية التي تستمر في الالتزام بالخطوط العامة والأساسية للسياسة الأمريكية في المنطقة من خلال استمرار التعاون الأمني مع (إسرائيل) واعتبار العملية السلمية رغم فشلها الطريق الوحيدة لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
إن المطلوب أمريكيا وبشكل عام من السيد أبي مازن والسلطة هو التوقف عن كل أشكال النضال السلمي القانوني والشعبي والرضا بما يحدده المحور -الأمريكي -الإسرائيلي -العربي في المنطقة والذي يرى أن واجب الوقت والأولوية الأولى في هذه المرحلة هو مواجهة الخطر الإيراني المتزايد.
أما بشكل خاص فإن المطلوب من أبي مازن تحقيق جملة من الأهداف المتناقضة، والتي لم تستطع إسرائيل تحقيقها سابقا مثل عدم التعرض للسياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة حتى من خلال التوجه للمحاكم الدولية وعدم الإسراع في إنجاز المصالحة الوطنية، والعمل على وقف تعاظم المقاومة الفلسطينية من الناحيتين العسكرية والسياسية، والعمل على التهدئة في جبهة غزة، وأخيرا ضرورة إبعاد حركة حماس والجهاد الإسلامي عن المحور الإيراني من خلال معاقبتهم، وفي مقابل ذلك رفع المعاناة الإنسانية عن غزة وتخفيف العقوبات عنها؟!
يرى الكثير من المراقبين أن لا خيار أمام أبي مازن سوى الإصرار على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال على الأقل من خلال رفع قضايا في محكمة الجنايات الدولية لوقف ما يمكن وقفه من ممارسات إسرائيلية خطيرة على الأرض كطرد السكان الفلسطينيين من المناطق المحيطة بالقدس والأغوار.
يعتقد الكثير من المحللين أن الموقف الأمريكي يشكل مؤشرا واضحا على رفض أبي مازن لبعض الضغوطات التي مورست عليه في زيارته الأخيرة للرياض، من أجل أن يقدم المزيد من التنازلات في العملية السلمية التي سيتم طرحها في خطة ترامب المتوقعة، كما يعتقد آخرون أن ضرورات السياسة الواقعية والدبلوماسية الهادئة تقتضي عدم الإعلان عن هذه الضغوطات.
وباختصار يمكن القول إن الموقف الأمريكي الأخير بإغلاق بعثة المنظمة الدبلوماسية في واشنطن جاء ليؤكد موقف إدارة الرئيس ترامب المنحازة بشكل صارخ لإسرائيل والتي تمثلت سابقا برفضها تكرار الموقف الأمريكي السابق والقاضي بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 وبأن الاستيطان عقبة في وجه العملية السلمية، كما يؤكد عدم التوافق التام بين مواقف أبي مازن والمشاريع الخطيرة المطروحة في المنطقة.