فلسطين قضية العرب والمسلمين المركزية التي ترتبط بمصيرهم وواقعهم ترابطا عضويا، وأكد العرب والمسلمون أكثر من مرة أنهم يفهمون كل أبعاد القضية الفلسطينية، انطلاقا من بُعدها الروحي والسياسي والتاريخي، ويدركون أنهم بجهادهم لاسترداد فلسطين وعدم التسليم باغتصابها إنما هم يدافعون عن المقدس في أرواحهم، وعن واقعهم، الذي أصبح مخترقا من قبل أخطر قاعدة أمنية غربية في المنطقة، وهم بذلك يؤسسون لمستقبل مزدهر تنشط فيه عناصر النهضة وأسبابها في غياب الاستنزاف الذي فرضه وجود الكيان الصهيوني.
هكذا فهمت شعوبنا العربية والمسلمة جمعاء حقيقة الموضوع الفلسطيني فكانت ولا تزال قضية فلسطين هي قضية كل عربي وكل مسلم وكل حر، ولطالما قدمت الأمة من خيرة أبنائها ومن قوت أبنائها لفلسطين وتعرضت كثير من بلاد العرب والإسلام لعدوان مباشر تلو العدوان المباشر على سيادتها وأمنها كما حصل لمصر وسوريا والأردن والسودان وتونس والعراق.. ويمكن النظر لكل حالات العداء الصهيونية ضد العرب والمسلمين في إذكائه روح الفتن داخل صفوف الأمة وتفجير التناقضات التي كادت أن تودي بالحياة في ربيع العرب.
من هنا بالضبط كان الوعي بأن الدفاع عن فلسطين إنما هو دفاع عن القطر الخاص لكل شعب من شعوبنا.. ولم تبخل الأمة وقدمت مُهج أبنائها من أجل فلسطين وقدسها.. فأصبح الدفاع عن فلسطين وشعبها مسلَّمة من مسلَّمات الوعي والسلوك لدى أبناء الأمة.. وقد فعلت القضية الفلسطينية بوقائعها أن نسجت فلكا مهما لكل المثقفين والمفكرين وعلماء الدين فأصبحوا يربطون النهضة بفلسطين والوحدة بفلسطين.
في مواجهة هذه القناعات النفسية والقلبية والعقلية، يحاول البعض أن يتقرب من الكيان الصهيوني زلفى ليخرق صف الأمة ويترك للعدو فرصة الاختراق كي يعيث فساداً في أقاليمها كما فعل في جنوب السودان وشمال العراق وفي سوريا ولبنان فضلا عما فعله بفلسطين...
ويدرك أولئك الذين يمدون حبال الود للعدو الصهيوني ويقطعون حبال التفاهم مع الإخوة والجيران أن المرافق المنطقي لموضوع التخلي عن فلسطين هو الطعن بالمقاومة وشيطنتها فنطقوا بهتانا وباطلا عندما اعتبروا المقاومة الفلسطينية "إرهابا" وأخذوا في محاصرتها، بل وهم يصرون على اعتبار كل من فكر بمقاتلة الكيان الصهيوني فإنما هو يسير في فلك "الإرهاب الدولي".
إن فلسطين قطعة في القلب من أرض العرب وفي القلب من مقدسات الإسلام وهي عشق النبي، وفيها التقى رسول الله بالأنبياء ليصبح خير البشرية.. فلسطين كاملة بكل حجارها المباركة ورمالها المباركة هي أرض عربية إسلامية لا تنازل عن حبة تراب منها.. كما أن كل عمل جاد على طريق استعادتها إنما هو في سبيل الله، وعلى هذا فإنه لا بديل عن فلسطين ولا بديل عن المقاومة والجهاد بكل الوسائل لاستردادها.. وفي الطريق يكون كل المقاومين والمجاهدين في اتجاه فلسطين إخوة ويكون أولئك الذين يوادون من حادَّ الله ورسوله إنما هم في الضد من قناعات الأمة ومصالحها الاستراتيجية ومستقبلها.. تولانا الله برحمته.