موجة التطبيع القادمة تتأسس في مستوى المعلومات على رؤية تقررت لدى بعض الدول العربية على قاعدة تحديد العدو الإستراتيجي لأنظمتها، وهو: إيران والحركات الإسلامية ذات النشاط السياسي، واستبعدت الكيان العبري من قائمة الأعداء، وبناءً على هذه الرؤية إن المشترك بين هذه الدول والكيان الصهيوني هو الرغبة في تدمير هذين العدوين، ما يتطلب التعاون الإستراتيجي للوصول إلى تحقيق الهدف المنشود.
عُدلت العقيدة الإستراتيجية لجيوش هذه الدول إلى هذه الرؤية، ما يعني أننا وصلنا إلى مستوى التطبيق العملي للرؤية.
حددت هذه الدول الرؤية تجاه القضية الفلسطينية؛ فقد وصفوها بأنها مشكلة تاريخية لها ذيول سياسية، وليست قضية سياسية ذات امتداد تاريخي، ويترتب على هذا التوصيف الخطير أن الفلسطينيين والإسرائيليين طرفان في مشكلة تاريخية عليهما حلها بالحوار والتواصل الدائم، وتحقيق أعلى درجات التواصل المجتمعي والسياسي، ولما كانت مشكلة تاريخية فإن قرارات الأمم المتحدة تاريخية أيضًا، وينبغي الوصول إلى اتفاقيات واقعية.
هدف الحملة ليس ترويج التطبيع في هذه المرحلة، وإنما تبريره وصولًا إلى المرحلة الثانية، وهي إقناع شعوب هذه الدول به، وفي المرحلة الثالثة تمريره .
هذه الرؤية ترفضها دول عربية "مطبّعة"، لأنها تضعف أوراق المفاوض الفلسطيني وتتركه بلا ظهر، وتجعل إمكانية الوصول إلى اتفاق مستحيلًا، لأن الكيان طرف قويّ الآن فلماذا يقدِّم تنازلات في الوقت الذي تنفتح عليه الدول العربية وتندفع باتجاهه؟!، لكن ليس متوقعًا أن يستمر هذا الرفض، لأن الرؤية مشتركة في الأفق الإستراتيجي، ما يعني أن برنامج التسوية لدى الطرف الفلسطيني المفاوض سينتهي به المطاف إلى مربع الخدمة الأمنية للمحتل ليتمكن من العيش بسلام، وهذا يعني أنه أصبح مسألة داخلية "إسرائيلية"، ولم يعد له مطلب وطني سياسي .
مرة أخرى ينبغي التشديد على ضرورة الاستعداد إلى مواجهة حملة التطبيع التي تحدثنا عنها في مقالة سابقة (لا هوادة)؛ فالوقت يتحرك بسرعة باتجاهات منحدِرة لا يمكن اللحاق بها واعتراضها، إذا بقينا بهذه الحركة السلحفائية.