فلسطين أون لاين

وقف النار من موقع القوة.. كيف أعاد أبو عبيدة تعريف نهاية المعركة؟

...
الشهيد حذيفة الكحلوت "أبو عبيدة"
غزة/ عبد الله التركماني

يتفق خبيران فلسطينيان على اعتبار خطاب "أبو عبيدة" الجديد إعلانا سياسيا مكثفا عن فشل الاحتلال في كسر إرادة غزة، وإعادة تثبيت معادلة الصراع من موقع القوة لا من موقع الدفاع. فالخطاب، وفق هذه القراءة، لم يقدّم وقف إطلاق النار بوصفه لحظة تهدئة عابرة، بل نتاجا مباشر لصمود استثنائي أربك حسابات العدو وأسقط رهاناته على الحسم العسكري والاستنزاف المجتمعي. وهو بذلك انتزع من الاحتلال حق الادعاء بالإنجاز، وحوّل وقف النار من أداة ضغط إلى شاهد على عجزه.

واعتبر الخبيران أن جوهر الخطاب تمثل في حماية منجزات المواجهة، وفي مقدمتها سلاح المقاومة بوصفه عنوان السيادة والكرامة وخط الدفاع الأخير عن الوجود الفلسطيني، ورفض أي محاولات التفاف سياسي أو إنساني لانتزاعه. كما أكدا على أن الخطاب وجّه رسالة حازمة بأن المقاومة لم تخرج من المعركة منهكة أو باحثة عن تسوية، بل أكثر وعيا بمخاطر المرحلة المقبلة، وأكثر استعدادا لإفشال محاولات تحويل وقف إطلاق النار إلى آلية لإدارة الصراع وإعادة إنتاج العدوان. 

وجاء خطاب أبو عبيدة في لحظة سياسية وأمنية شديدة الحساسية، أعقبت إعلان وقف إطلاق النار في غزة بعد حرب مدمرة استمرت أشهرا، حاول فيها الاحتلال فرض معادلات جديدة بالقوة العسكرية الشاملة. الخطاب، الذي ألقاه المتحدث الجديد باسم كتائب القسام في أول ظهور علني بعد توقف العدوان، حمل طابعا تأسيسيا يتجاوز حدود التعليق على نتائج المعركة، ليقدّم رواية المقاومة الكاملة لما جرى. فقد حرص أبو عبيدة على تأطير وقف النار باعتباره ثمرة صمود الشعب والمقاومة، لا نتيجة ضغوط أو تنازلات، مؤكدا فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، سواء في كسر المقاومة أو استعادة أسراه بالقوة.

انتصار أخلاقي 

ويرى المحلل السياسي والخبير في الشؤون العسكرية اللواء يوسف الشرقاوي أن خطاب أبو عبيدة تعامل مع وقف إطلاق النار بوصفه نتيجة مباشرة لصمود المجتمع الفلسطيني وقدرة المقاومة على الصمود الميداني، لا كتنازل سياسي أو استجابة لضغوط دولية. 

وقال لـ "فلسطين أون لاين": إن "الخطاب تعمد نزع أي بعد تفاوضي تقليدي عن وقف النار، وقدمه باعتباره محطة فرضها ميزان القوة الذي تشكل بفعل صمود الناس والمقاومين، وليس بفعل حسن نية الاحتلال أو المجتمع الدولي".

وأضاف الشرقاوي أن المقاومة تحاول تثبيت وقف النار بشروطها المعنوية والسياسية، من خلال إعادة تعريفه أمام الجمهور الفلسطيني والعربي بوصفه انتصارا أخلاقيا ومعنويا، لا هدنة اضطرار. ويوضح أن "اللغة المستخدمة في الخطاب تركز على الكرامة، والثبات، وعدم الندم، وهي مفردات تهدف إلى منع أي تأويل داخلي يعتبر وقف النار تراجعا أو إنهاكا".

وحذر الشرقاوي من أن أخطر ما قد تواجهه المرحلة المقبلة هو تحويل وقف إطلاق النار إلى أداة لإدارة الصراع بدل إنهائه، كما جرى في تجارب سابقة. ويقول إن "دولة الاحتلال تحاول تاريخيا استخدام التهدئات لإعادة ترتيب قوتها العسكرية، وتفكيك الضغط الدولي، ثم العودة إلى العدوان بصيغ جديدة"، مشددا على أن إدراك هذه المخاطر كان حاضرا بوضوح في خطاب أبو عبيدة.

ويتابع أن المقاومة تحاول عبر الخطاب إبقاء حالة الاشتباك السياسي والنفسي قائمة، حتى في ظل توقف العمليات العسكرية، لمنع الاحتلال من استثمار الهدوء كإنجاز استراتيجي. 

ويختم بالقول إن "المعركة لم تعد فقط على الأرض، بل على معنى وقف النار نفسه، ومن يملك حق تعريفه أمام الرأي العام".

رسالة مركزية

بدوره، اعتبر المحلل السياسي والمتخصص في الشأن الإسرائيلي إبراهيم جابر أن تأكيد أبو عبيدة على عدم التخلي عن السلاح يمثل رسالة مركزية في الخطاب، موجهة أولا إلى دولة الاحتلال، وثانيا إلى الوسطاء والمجتمع الدولي. وقال لصحيفة "فلسطين" إن "السلاح هنا لا يقدم كأداة عسكرية فقط، بل كرمز سيادي ووجودي، مرتبط ببقاء القضية نفسها، لا بتكتيكات مرحلية".

وأضاف جابر لـ"فلسطن أون لاين" أن الخطاب يضع خطا أحمر واضحا أمام أي محاولات مستقبلية لربط إعادة الإعمار أو تخفيف الحصار بنزع سلاح المقاومة. موضحاً أن "هذه الرسالة تستبق الضغوط السياسية المقبلة، وتغلق الباب أمام أي مقايضات قد تطرح تحت عناوين إنسانية أو اقتصادية".

وحول الرسائل الموجهة للمجتمع الدولي، يرى جابر أن الخطاب شدد على ضرورة نزع سلاح الاحتلال بدلا من نزع سلاح الضحية. ويقول إن "هذا الطرح يعكس تحولا في خطاب المقاومة نحو استخدام مفردات القانون الدولي وحقوق الشعوب، لمواجهة الرواية الأمنية الإسرائيلية".

وأكد جابر أن خطاب أبو عبيدة أعاد تثبيت معادلة الردع بعد الحرب، ليس فقط عبر استعراض القدرة العسكرية، بل عبر الإيحاء بأن المقاومة خرجت من الحرب متماسكة تنظيميا ومعنويا، رغم الخسائر الكبيرة. ويضيف أن "إعلان أسماء القادة الشهداء في هذا السياق لم يكن اعترافا بالضعف، بل محاولة لتحويل الخسارة إلى عنصر تعبئة وردع نفسي".

ويختم بالقول إن "دولة الاحتلال تدرك أن خطابا بهذا الوضوح يعني المقاومة لم تعد تقاتل فقط لمنع الهزيمة، بل لفرض قواعد اشتباك سياسية جديدة".

المصدر / فلسطين أون لاين