فلسطين أون لاين

تقرير اعتراف (إسرائيل) بأرض الصومال: خطوة خطيرة تعيد رسم التوازنات الإقليمية وتهدد فلسطين

...
أرض الصومال اقليم انفصالي لا يحظى بأي اعتراف دولي
غزة/ علي البطة:

في خطوة تعكس تحولا لافتا في مقاربة (إسرائيل) للقرن الأفريقي، أعلنت (تل أبيب) اعترافها بـ"جمهورية أرض الصومال" الانفصالية دولة مستقلة، وهو قرار لا يقتصر على منح الشرعية السياسية للإقليم، بل يشكل منصة لإعادة رسم نفوذ القوى الدولية والإقليمية في قلب الممرات البحرية الحيوية.

وأول من أمس، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الاعتراف، مؤكدا أنه يأتي "بروح اتفاقيات أبراهام"، مع فتح المجال لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة واتفاقيات للتعاون الزراعي والتكنولوجي، في خطوة تعزز موقع تل أبيب السياسي والأمني بعيدا عن أي توافق دولي شامل.

ويعتبر المحلل السياسي د. سعيد أبو رحمة، أن هذا القرار جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع لإعادة التموضع في القرن الأفريقي، مستغلة هشاشة الإقليم وعدم وجود إجماع دولي حول وضعه القانوني، لتأمين موطئ قدم يسمح بموازنة النفوذ التركي والإيراني في المنطقة.

ويضيف أبو رحمة لصحيفة "فلسطين"، أن إسرائيل تنظر إلى ميناء بربرة بوصفه محورا استراتيجيا، إذ يوفر الميناء القدرة على مراقبة خطوط الملاحة الدولية، وتعزيز الأمن البحري للاحتلال الإسرائيلي، ما يجعله أداة ضغط سياسية واقتصادية محتملة في مواجهة أعدائها الإقليميين.

كما يشير إلى أن الخطوة تأتي في سياق تعزيز النفوذ الإسرائيلي في مناطق جوار اليمن، وفتح مسارات تعاون محتملة مع دول أخرى في المنطقة، بما يوسع دائرة التحالفات ويؤكد الطموح الإسرائيلي للسيطرة على نقاط حيوية في البحر الأحمر.

بدوره، يؤكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن الجغرافيا هي العامل الحاسم في الاهتمام الدولي بالإقليم، مشيرا إلى أن ساحل أرض الصومال الطويل على خليج عدن واستقراره النسبي جعل الإقليم محط أنظار قوى دولية متعددة لأغراض أمنية واستثمارية، بعيدا عن أي إجماع دولي.

ويحذر إبراهيم من أن الاعتراف الإسرائيلي قد يتحول إلى مدخل لعسكرة البحر الأحمر، بما يهدد استقرار الممرات الملاحية، خصوصا مع تداوله في سياقات مرتبطة بسيناريوهات إسرائيلية مستقبلية قد تشمل ضغوطا على الصومال أو إعادة ترتيب ديموغرافي في مناطق بعيدة، ما يمنح القرار بعدا وظيفيا واستعماريا خطيرا.

صراع نفوذ مفتوح

ويشير أبو رحمة إلى أن الاعتراف الإسرائيلي يرسل رسائل مباشرة لتركيا، التي تدعم الحكومة الصومالية في مقديشو، مفادها أن تل أبيب قادرة على اختراق مناطق النفوذ التركي وخلق توازنات موازية في القرن الأفريقي، في خطوة تكشف عن بعد أمني واستراتيجي للقرار.

كما يوجه القرار رسالة ضغط إلى إيران، التي تنشط عبر حلفائها في اليمن والبحر الأحمر، بأن إسرائيل ستسعى لمحاصرة النفوذ الإيراني من الضفة الأفريقية المقابلة، ضمن استراتيجية متعددة المسارات لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بعيدا عن أي دور عربي فاعل.

ويحذر أبو رحمة من أن هذا التحرك قد يؤدي إلى إعادة إشعال التوتر بين الحكومة المركزية في مقديشو والإقليم المنفصل، ويضعف فرص التسوية السلمية، ما قد ينعكس سلبا على جهود الاستقرار الهشة أصلا في القرن الأفريقي ويعقد الحلول السياسية.

ويشير إلى أن الاعتراف قد يفتح الباب أمام سباق نفوذ جديد، حيث قد تسعى قوى أخرى إلى استغلال نموذج إسرائيل لتوسيع حضورها، مستفيدة من هشاشة الدول وضعف المواقف الإقليمية الموحدة، ما يضاعف احتمالات صراع دولي على الممرات البحرية الحيوية.

وينوه إبراهيم في مقال نشره أمس، إلى أن الرأي السياسي في أرض الصومال منقسم، فبينما يرحب البعض بالاعتراف كخطوة نحو شرعية دولية، يخشى آخرون من تحويل الإقليم إلى ساحة صراع بالوكالة أو منصة عسكرية تخدم أجندات خارجية، ما يزيد من تعقيد المشهد الداخلي.

ويحذر إبراهيم من أن تقاطع الاعتراف مع سيناريوهات إسرائيلية مرتبطة بمشاريع إعادة توطين فلسطينيين يمنح القرار بعدا وظيفيا واستعماريا، ويبرز مخاطر استخدام الإقليم كأداة في صراعات بعيدة عن مصالح سكانه، ما يفاقم هشاشة الاستقرار.

المطلوب عربيا وأفريقيا

ويشير أبو رحمة إلى أن الاعتراف الإسرائيلي يمثل اختبارا للنظامين العربي والأفريقي، اللذين فشلا لعقود في بلورة موقف موحد يحمي وحدة الصومال، ويمنع تفكيكه إلى كيانات متنازعة تخدم مصالح القوى الكبرى، ما يعكس هشاشة الردع العربي والأفريقي.

ويضيف أن غياب التحرك العربي الفاعل شجع أطرافا دولية على التعامل المباشر مع أرض الصومال، سواء عبر استثمارات أو علاقات غير رسمية، ما أضعف الحكومة الصومالية المركزية وقلّص قدرتها على فرض سيادتها الكاملة على الإقليم المنفصل.

ويقول المحللان، إن ترسيخ الوجود الإسرائيلي في الإقليم قد يؤدي إلى عسكرة إضافية للبحر الأحمر وباب المندب، وتحويل الممرات البحرية إلى ساحات صراع مفتوح، ما يهدد أمن الملاحة والتجارة الدولية ويزيد من التعقيدات الاستراتيجية للمنطقة.

ويؤكد أبو رحمة أن الحد من تداعيات القرار يتطلب إعادة تفعيل الدور العربي داخل الجامعة العربية، وتبني موقف واضح داعم لوحدة الصومال، مقرونا بخطوات سياسية واقتصادية تعزز استقرار الدولة المركزية وتقلل من فرص استغلال الإقليم من قبل قوى خارجية.

ويشدد إبراهيم على ضرورة تحرك الاتحاد الأفريقي دبلوماسيا لاحتواء الخطوة الإسرائيلية، والتأكيد على رفض أي اعترافات أحادية بكيانات انفصالية، حفاظا على السلم الإقليمي ومنع تفكك الدول الأعضاء، مع ضمان دعم الحكومة المركزية في مقديشو.

ويحذر من أن الاعتراف الإسرائيلي جزء من مشروع أوسع لإعادة رسم خرائط النفوذ في القرن الأفريقي، مستغلا هشاشة الإقليم وغياب الردع العربي، في سياق صراع دولي متصاعد على الممرات الحيوية، ما يضع المنطقة أمام تحديات طويلة الأمد.

ويقول المحللان، إن مواجهة تداعيات القرار لا تتطلب بيانات إدانة فقط، بل استراتيجية عربية وأفريقية متكاملة، تعيد الاعتبار للدولة الوطنية، وتمنع تحويل الكيانات الهشة إلى أدوات دائمة في صراعات الهيمنة، مع الحفاظ على أمن البحر الأحمر ومصالح الملاحة الدولية.

المصدر / فلسطين أون لاين