فلسطين أون لاين

معتقلو غزة الأشد قسوة ...

"شهادات حيَّة"... سجون الاحتلال تتحول إلى ساحات تعذيب ممنهج وإعدام بطيء

...
متابعة/ فلسطين أون لاين

قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، في إحاطة جديدة حول واقع أكثر من 9300 أسير ومعتقل في سجون ومعسكرات الاحتلال الإسرائيلي، إنّ الاحتلال يواصل تنفيذ عمليات تدمير ممنهجة بحقّ الأسرى والمعتقلين، عبر منظومة متكاملة تقوم في جوهرها على جرائم التعذيب الممنهج، التي طالت الأسرى كافة دون استثناء، من خلال أساليب وسياسات جرى ترسيخها على نحو غير مسبوق منذ بدء حرب الإبادة، بما يشكّل جزءًا لا يتجزأ من حرب الإبادة الشاملة وعمليات المحو الاستعماري المتواصلة بحقّ الشعب الفلسطيني في مختلف الجغرافيات الفلسطينية.

وأضافت المؤسستان أنّه، واستنادًا إلى عشرات الزيارات التي نُفذت خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2025 لسجون: عوفر، والنقب، ومجدو، والرملة – العيادة، وقسم ركيفت، وشطة، وجلبوع، وجانوت، إضافة إلى عدد من المعسكرات، من بينها سديه تيمان وجلعاد، فضلًا عن سجن “الدامون” الذي تُحتجز فيه الأسيرات؛ فإنّ جميع الإفادات التي أدلى بها الأسرى تعكس تصاعدًا متواصلًا في عمليات التعذيب بحقّهم، وارتفاعًا ملحوظًا في وتيرة حملات القمع المنظّمة التي تنفذها وحدات خاصة مدجّجة بالسلاح.

وأكدت الإحاطة استمرار جريمة التجويع الممنهجة، وحرمان الأسرى من العلاج والرعاية الصحية، إلى جانب مواصلة سياسات السلب والحرمان من أبسط مقومات الحياة الإنسانية، فضلًا عن استمرار السياسات التي تستهدف المساس بالكرامة الإنسانية للأسرى، من خلال ممارسات الإذلال والتنكيل المتواصلة، التي تُنفّذ بشكل لحظي وعلى مدار الساعة.

استمرار عمليات القمع المنظّمة في السجون، بما فيها بحقّ الأسيرات

 شكّلت عمليات القمع إحدى أبرز السياسات التاريخية التي مارستها منظومة سجون الاحتلال بحقّ الأسرى، بهدف فرض مزيد من السيطرة والرقابة، وقد تصاعدت هذه العمليات على نحو غير مسبوق منذ بدء حرب الإبادة. ولم يَسلم أيّ أسير من هذه الاعتداءات، التي تسببت في غالبيتها بإصابات متفاوتة، ولا سيما الكسور، وبشكل خاص كسور الأضلاع.

وخلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، وثّقت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، عبر طواقمهما القانونية، العديد من الإفادات المرتبطة بعمليات القمع الممنهجة، بما في ذلك تلك التي استهدفت الأسيرات والأطفال.

وفي سجن “الدامون”، الذي تحتجز فيه الأسيرات، ويبلغ عددهنّ اليوم نحو (50) أسيرة، نفّذت وحدات القمع سلسلة من الاعتداءات المنظّمة التي استهدفت عددًا من الأسيرات داخل عدة غرف (زنازين). ففي تاريخ 5/12/2025، اقتحمت قوات القمع ثلاث زنازين، وأقدمت على رشّ الغاز المسيل للدموع، وأجبرت الأسيرات على الاستلقاء على الأرض، واعتدت عليهنّ بالضرب، بالتزامن مع توجيه شتائم وألفاظ نابية، وذلك عقب ادّعاء إدارة السجن العثور على عبارات “تحريضية”. كما فُرضت على الأسيرات جملة من العقوبات، من بينها إغلاق الغرف والحرمان من “الفورة”.

وفي تاريخ 14/12/2025، وخلال ساعات الفجر، جرى اقتحام غرفتين، حيث تم تقييد الأسيرات بالأصفاد من الخلف، وتعصيب أعينهن، وإخراجهن إلى الساحة في البرد القارس، وإجبارهن على خفض رؤوسهن والجلوس على ركبهن. كما جرى تصوير عملية القمع، بما في ذلك أعمال التخريب الواسعة التي نُفذت داخل الغرف، وذلك بمرافقة الكلاب البوليسية، واستخدام القنابل الصوتية. وبحسب إفادات الأسيرات، استمرت عملية القمع من ساعات الفجر وحتى الساعة السابعة صباحًا.

وأكدت الأسيرات أنّ معاناتهنّ تتضاعف مع حلول فصل الشتاء، في ظل البرد الشديد، ونقص الأغطية والملابس، وغياب أي وسيلة للتدفئة، إلى جانب استمرار سياسة التجويع الممنهجة، والحرمان من العلاج والرعاية الصحية، لا سيما في ظل وجود أسيرات يعانين من أمراض مزمنة، من بينها السرطان. كما تعاني الأسيرات من الحرمان من تلبية احتياجاتهنّ الخاصة، وعلى رأسها الفوط الصحية، التي تُستخدم كأداة إضافية للإذلال والقهر.

وفي سجن “جانوت (نفحة وريمون سابقًا)”، حيث يُحتجز عدد من قيادات الحركة الأسيرة في زنازين العزل الانفرادي، من بينهم القائد أحمد سعدات، تواصل إدارة السجون فرض ظروف احتجاز قاسية وصعبة، بعد مماطلات متكررة سبقت السماح بزيارته مؤخرًا. ويعاني القائد سعدات من الإصابة بمرض الجرب (السكابيوس)، في ظل الحرمان المتعمّد من العلاج، شأنه شأن الأسرى كافة. وبحسب الزيارة، فقد تعرّض القائد سعدات لاعتداء خلال نقله من زنازين عزل سجن “مجدو” إلى معبر الرملة، ما تسبّب له بآلام شديدة في الظهر، قبل أن يُنقل إلى سجن “أوهليكدار”، ثم إلى زنازين سجن “جانوت – ريمون”.

ويُشار إلى أنّ عددًا من قيادات الحركة الأسيرة محتجزون منذ أكثر من عامين في زنازين العزل الانفرادي، ويتعرضون لعمليات تعذيب واعتداءات متكررة وممنهجة، أسفرت خلال الفترة الماضية عن إصابات جسدية متعددة، من بينها كسور متفاوتة.

وعلى صعيد عمليات القمع في سجن “جانوت”، فقد شهدت تصاعدًا ملحوظًا عقب إتمام الصفقة، حيث تُنفّذ عمليات قمع بشكل شبه يومي تستهدف الأقسام والغرف، وتترافق مع رشّ الغاز، والضرب المبرح، واستخدام الرصاص المطاطي، والصعق الكهربائي، إضافة إلى الاستعانة بالكلاب البوليسية والهراوات. وغالبًا ما تُنفّذ هذه العمليات خلال ساعات الفجر أو منتصف الليل.

وفي السياق ذاته، أكّدت الإفادات التي حصل عليها المحامون من الأسرى في سجني “جلبوع” و“شطة” أنّ عمليات القمع ارتفعت وتيرتها بشكل خطير، وتترافق مع اعتداءات جسدية عنيفة، والتعمّد بإلقاء الغاز داخل الزنازين، واستخدام الهراوات وأجهزة الصعق الكهربائي، والكلاب البوليسية. وقد خلّفت هذه الاعتداءات رضوضًا وإصابات مختلفة في صفوف العديد من الأسرى، الذين يعانون أصلًا من الجوع والمرض والإنهاك الجسدي، في ظل استمرار سياسة التجويع الممنهجة والحرمان من العلاج والرعاية الصحية.

ومن بين الأسرى الذين جرى توثيق إفاداتهم في سجن “جلبوع”، القائد عاهد أبو غلمي، الذي أكّد تعرّضه لسلسلة من الاعتداءات الممنهجة، مشيرًا إلى أنّ وتيرة القمع لم تشهد أي تراجع. كما لفت إلى استمرار تفشي مرض الجرب (السكابيوس) بين صفوف الأسرى، والنقص الحاد في الملابس، وتفاقم المعاناة مع حلول فصل الشتاء، حيث تحوّل البرد القارس إلى أداة تعذيب إضافية.

إفادة الأسير (م. د):

“بتاريخ 19/6/2025، تعرّضت لإصابة بعد إطلاق قوات القمع الرصاص المطاطي على قدمي اليمنى. وبعد مطالبات متكررة، جرى نقلي إلى العيادة فقط، فيما رُفض تحويلي إلى المستشفى بذريعة وجود حالة طوارئ. أعاني كذلك من آلام شديدة تتفاقم بفعل البرد، نتيجة إصابة سابقة قبل الاعتقال تسبّبت بكسر في الحوض، إضافة إلى تعرّضي لخلع في الكتف جرّاء التنكيل المتكرر خلال عمليات النقل والتقييد.”

إفادة الأسير (م. ل):

“تعرّضت لإصابة في قدمي عقب عملية قمع، حيث استخدمت قوات القمع بنادق ‘الخرز’، ما أدى إلى إصابة خطيرة استدعت نقلي إلى العيادة. كما تعرّض الأسير (م. ت) لاعتداء بالضرب، ما أسفر عن إصابته بكسور في القفص الصدري.” وأجمع الأسرى في إفاداتهم على أنّه لا يمرّ يوم دون تعرّضهم للضرب، أو الشتائم، أو الإهانات وعمليات الإذلال المتواصلة، فضلًا عن الحرمان المتكرر من “الفورة” لأيام طويلة

كارثة صحية مستمرة في السجون يقابلها حرمان ممنهج من العلاج

تواصل منظومة السجون حرمان آلاف الأسرى من حقهم في العلاج، والتعمّد في فرض ظروف احتجاز قاسية تؤدي إلى تدهور أوضاعهم الصحية، سواء عبر سياسة التجويع، أو من خلال الاستمرار في فرض بيئة تساهم في انتشار المزيد من الأمراض والأوبئة. وبالاستناد إلى الزيارات التي أُجريت للسجون خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2025، يتّضح أنّ الأوضاع لم تشهد أي تحسّن، بل إنّ سياسة الحرمان من العلاج، التي تشكّل أداة لتدمير أجساد الأسرى وإعدامهم بشكل بطيء، جرى ترسيخها وتحويلها إلى واقع دائم، إلى درجة دفع الأسرى إلى الخوف من طلب العلاج، لما يقابله من ضرب واعتداءات.

وقد وثّقت الهيئة والنادي إفادات مقتضبة لعدد من الأسرى المرضى، من بينهم الأسير (د.د)، وهو معتقل إداري محتجز في سجن "مجدو"، الذي خرج للقاء محاميه بوضع صحي يُرثى له، نتيجة معاناته من مرض التصلّب اللويحي قبل اعتقاله، حيث تفاقمت حالته بشكل خطير بعد الاعتقال جراء حرمانه من العلاج، إلى جانب تسبّب ذلك بظهور مشكلات صحية أخرى في الكبد والمعدة.

كما أفاد الأسير (أ.م) بأنه، ورغم حصوله على تشخيص نهائي بإصابته بسرطان في الأمعاء والبطن بعد اعتقاله، إلّا أنّه لم يتلقَّ حتى اليوم أي نوع من العلاج، ولا يعلم ما ينتظره من مصير صحي في ظل سياسة الحرمان المتبعة بحقّه. وقد أسهمت الكميات الشحيحة من الطعام المقدّمة له، وسياسة التجويع المفروضة على الأسرى، في تدهور إضافي لوضعه الصحي، إلى حدّ بات معه غير قادر على تناول الطعام المقدم له.

أما الأسير (ي.ة)، فقد تعرّض في سجن "نفحة" لأعراض جلطة، وعند نقله إلى عيادة السجن، أقدم أحد "المسعفين" على الاعتداء عليه بالضرب. ولاحقًا، ومع تدهور حالته الصحية، جرى نقله إلى مستشفى "سوروكا"، حيث تبيّن أنه يعاني من مشكلات في الكلى إلى جانب الأعراض التي ظهرت عليه، قبل أن يُنقل لاحقًا إلى "عيادة سجن الرملة".

واستنادًا إلى زيارات ميدانية أُجريت لمجموعة من الأسرى المرضى في "عيادة سجن الرملة"، أكّد الأسرى أنّ إدارة السجن تنفّذ اعتداءات بحقهم خلال عمليات نقلهم لتلقي العلاج. وينسحب هذا النمط من الانتهاكات على مختلف السجون، لا سيّما عند مطالبة الأسرى بالعلاج أو نقلهم إلى المستشفيات الخارجية، التي نادرًا ما تتم، أو لا تتم إلا بعد وصول الأسير إلى مراحل متقدمة وخطيرة من التدهور الصحي. وفي إفادة لأحد الأسرى الجرحى في "عيادة الرملة"، أكّد أن الأسرى الذين يُنقلون لجلسات غسيل الكلى يتعرّضون للتنكيل، وفي كثير من الأحيان للضرب المبرح، مشيرًا إلى وجود أسرى مرضى من لبنان وسوريا.

 الجوع أداة لتدمير أجساد الأسرى وتعذيبهم

تُشكّل سياسة التجويع إحدى أخطر وأبرز السياسات التي فرضتها منظومة السجون على الأسرى منذ بداية الحرب، حيث تحوّلت أجساد الأسرى إلى شهادات حيّة على حجم الكارثة الإنسانية الناتجة عن عمليات التجويع الممنهجة، التي طالت الأسرى كافة، بمن فيهم النساء والأطفال. وبعد مرور أكثر من عامين على حرب الإبادة، تعكس إفادات الأسرى مستوىً غير مسبوق من المعاناة اليومية مع الجوع وانعكاساته الكارثية على أوضاعهم الصحية.

في سجن "النقب"، تركزت إفادات الأسرى خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2025 على التراجع الحاد في كميات لقيمات الطعام المقدّمة لهم. وقد ألقى استمرار سياسة التجويع بظلاله الثقيلة، وبشكل متفاقم مع مرور الوقت، على أوضاعهم الصحية، إذ يتضوّر الأسرى جوعًا منذ أكثر من عامين، ويعانون من نقصٍ حاد في أوزانهم، وهزال شديد، ما أسهم في تفاقم حالتهم الصحية، ولا سيّما لدى الأسرى المصابين بأمراض مزمنة أو ضعف في المناعة.

إلى جانب ذلك، شهدت السجون تفشّي العديد من الأمراض، وفي مقدّمتها مرض "الجرب – السكابيوس"، الذي انتشر على نطاق واسع نتيجة انعدام الإجراءات والأدوات اللازمة للحفاظ على النظافة الشخصية، فضلًا عن حالة الاكتظاظ الشديد داخل الزنازين. ومؤخرًا، أفاد أسرى في أحد أقسام سجن "النقب" بإصابتهم بفيروس لم يتم تشخيصه بشكل واضح، تسبّب لهم بأعراض صحية صعبة استمرّت نحو أسبوعين، قبل أن يتعافوا منه دون تقديم أي علاج طبي.

وفي إفادة للأسير (غ.م)، أوضح أنه أُصيب بمرض السكابيوس لمدة شهرين، هو وجميع الأسرى الذين كانوا معه في الزنزانة، وتطوّر المرض لديهم حتى تحوّل إلى دمامل غطّت أجسادهم، دون أن يتلقوا أي نوع من العلاج، فيما اكتفت إدارة السجن بتزويد جميع المصابين بمرهم واحد فقط.

وفي هذا السياق، تؤكّد المؤسستان أنه، وعلى الرغم من وجود قرار صادر عن المحكمة العليا للاحتلال يؤكّد أنّ كميات الطعام المقدّمة للأسرى لا تستوفي المعايير القانونية، فإنّ منظومة السجون لم تُعر أي اعتبار لهذا القرار. بل على العكس، تتصاعد إفادات الأسرى حول النقص الحاد في الطعام، وتتفاقم معاناتهم مع استمرار إخضاعهم لسياسة التجويع لأكثر من عامين. ومع أنّ هذا القرار يعكس، بشكل مجتزأ، صورة محكمة لم تُقر صراحة بسياسة التجويع، واكتفت بوصف الواقع القائم بعدم استيفاء كميات الطعام للمعايير القانونية، إلا أنّ ذلك يسلّط الضوء على الدور المتواطئ الذي مارسته المحكمة العليا بشكل فجّ وواضح منذ بدء حرب الإبادة، بما في ذلك تغطيتها على الجرائم المرتكبة بحقّ الأسرى.

معسكر "جلعاد".. محطة جديدة لممارسة التعذيب

  منذ افتتاح معسكر "جلعاد" في سجن "عوفر"، تشير الإفادات الواردة على ألسنة المعتقلين فيه، وغالبيتهم من المعتقلين حديثًا، إلى تعرّضهم لعمليات تعذيب ممنهجة، أسوةً بما يجري في السجون والمعسكرات كافة. فقد تحوّل التعذيب إلى الركيزة الأساسية التي تقوم عليها مجمل السياسات والإجراءات داخل السجون والمعسكرات، حيث تشمل ممارساته الاعتداءات الجسدية والضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، وحرمان المعتقلين من أدنى مقومات الحياة، إلى جانب سياسات الإذلال المتعمّدة، وكلها تندرج ضمن منظومة تعذيب متكاملة يجري تطبيقها بشكل منهجي.

وتعكس المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال مستوىً مروّعًا من هذه الممارسات، ويُعدّ معسكر "جلعاد" نموذجًا صارخًا لذلك. فقد تعمّدت إدارة المعسكر إبقاء شبابيك الزنازين مفتوحة، ما أدى إلى تسرب المياه إلى داخلها ووصولها إلى فرشات الأسرى وأغطيتهم، التي لا تقي أصلًا من البرد، دون توفير أي بدائل. ويجري ذلك في وقت تتعمّد فيه الإدارة سحب الأغطية والفرشات يوميًا من الساعة السادسة صباحًا وحتى ساعات المساء، في ظل بردٍ قارس يخيّم على الأسرى.

ويُضاف إلى ذلك الاكتظاظ الشديد داخل الزنازين، إذ يُحتجز في كل زنزانة نحو 11 أسيرًا، يضطر بعضهم إلى النوم على الأرض المبللة بالمياه، فيما يُجبر الأسرى على التكدّس فوق أربعة (أبراش – أسرّة) فقط، هربًا من البلل والبرد. كما يُجبر الأسرى على الاستحمام بالمياه الباردة، في انتهاك صارخ لأبسط المعايير الإنسانية.

الأسرى الأطفال يواجهون ذات الواقع المأساوي والقاهر

أكّد الأسير (ز.ي) أنّ معاملة الأسرى الأطفال لا تختلف عن معاملة الأسرى البالغين، حيث يتعرّضون للضرب والشتم، وعمليات القمع، وسياسات التجويع، والحرمان من العلاج، دون أي اعتبار لأعمارهم أو لضعف بنيتهم الجسدية. وخلال زيارة أحد المحامين لطفل أسير في سجن "عوفر"، أفاد الطفل بأنه يشتهي منذ شهور أن يتذوّق قطعة حلوى، في شهادة تختزل حجم الحرمان والقهر الذي يعيشه الأطفال داخل السجون.

إضافة إلى ذلك، يعاني الأسرى الأطفال من انتشار مرض "الجرب – السكابيوس"، مع تزايد أعداد المصابين، دون توفير علاج فعلي لهم. وبحسب آخر المعطيات، يبلغ عدد الأسرى الأطفال نحو 350 طفلًا، محتجزين في سجني "عوفر" و"مجدو"، وهم، شأنهم شأن الأسرى البالغين، محرومون من زيارة ذويهم ومن زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ بدء حرب الإبادة.

معتقلو غزة في السجون والمعسكرات في مواجهة التعذيب اللحظي

اعترفت سلطات الاحتلال، عقب إتمام الصفقة في شهر تشرين الأول/أكتوبر، بوجود أكثر من 1400 مواطن من غزة معتقلين في السجون والمعسكرات، غير أنّ هذا المعطى لا يعكس بالضرورة العدد الحقيقي لمعتقلي غزة، لا سيّما في ظل استمرار الاحتلال في تنفيذ جريمة الإخفاء القسري.

وما تزال الإفادات التي تخرج تباعًا من معتقلي غزة حول جرائم التعذيب التي تعرّضوا لها تُعدّ من الأشد والأقسى والأكثر خطورة، لما تعكسه من مستوى غير مسبوق من التوحّش، وأساليب تعذيب مورست بحقهم منذ لحظة الاعتقال، مرورًا بمرحلة التحقيق، ولاحقًا عبر ظروف احتجاز قاهرة وحاطة بالكرامة الإنسانية.

وخلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2025، نُفّذت عدة زيارات لعدد من معتقلي غزة في سجون ومعسكرات (النقب، عوفر، الرملة، وسديه تيمان). ومجددًا، نقل المعتقلون صورة صادمة لظروف اعتقال تنتهك أبسط المعايير الإنسانية.

ففي قسم (ركيفت) في سجن "الرملة"، أكّد المعتقلون جملة من المعطيات التي لا تختلف عن تلك التي وثّقتها المؤسسات خلال الفترات السابقة، وكان أبرزها ما يلي:

فيما يتعلق بالطعام، يُزوَّد الأسرى بثلاث وجبات يوميًا بكميات ضئيلة للغاية، لا تكاد تتجاوز كونها لقيمات. كما تتعمّد إدارة السجن سحب الفرشات والأغطية من الساعة الرابعة فجرًا وحتى الساعة الحادية عشرة ليلًا، ليبقى الأسرى طوال النهار مستلقين على الحديد أو على الأرض. وفي كل زنزانة يُحتجز أربعة أسرى، ينام ثلاثة منهم على (الأبراش – الأسرّة)، فيما يُجبر الأسير الرابع على النوم على الأرض.

ويُمنع الأسرى من أداء الصلاة بشكل جماعي، ولا يُسمح لهم إلا بالصلاة فرادى، كما يُحظر عليهم الحصول على المصحف. وتستمر عمليات القمع والضرب بشكل يومي، حيث يتعرّض الأسرى للضرب بالهراوات، إلى جانب سياسة متكرّرة لتكسير الأصابع. وخلال فترة "الفورة"، يُبقي السجّانون الأسرى مقيّدي الأيدي، ويُمنعون من رفع رؤوسهم، فيما تتواصل المسبّات والشتائم والإهانات اللفظية بشكل دائم. كما تُمارس سياسة التهديد والضرب قبيل زيارات المحامين، حيث يُهدَّد الأسرى في حال إفادتهم عمّا يتعرّضون له، فضلًا عن انعدام تام لمقوّمات النظافة العامة.

أما في معسكر "سديه تيمان"، فقد أكّد الأسرى أنهم يُزوَّدون أيضًا بثلاث وجبات يوميًا بكميات قليلة جدًا. ويُجبر الأسرى على النوم من الساعة التاسعة مساءً وحتى الرابعة فجرًا فقط، فيما يُمنعون من النوم بقية ساعات اليوم، ويُرغمون على الجلوس طوال الوقت. كما يُحظر عليهم التحدّث مع بعضهم البعض، سواء داخل الغرف أو خلال "الفورة"، ويُجبرون على خفض رؤوسهم أثناء الخروج إليها.

ويُسمح للأسرى بالاستحمام يومي الأحد والثلاثاء فقط، ولمدة لا تتجاوز بضع دقائق، فيما يُسمح بتبديل الملابس الخارجية مرة واحدة كل شهر. كما تُزوَّد كل زنزانة بلفّة محارم واحدة فقط لكافة الأسرى، ويتراوح عدد المحتجزين في الغرفة الواحدة بين 12 و16 أسيرًا. إلى جانب ذلك، تستمر عمليات القمع والضرب، والشتائم، وسياسة الإذلال الممنهجة، حيث يُجبر كل أسير على ارتداء سوار يحمل رقمًا، ويتم التعامل معهم حصريًا وفق الأرقام، في مسعى واضح لمحو هويتهم الإنسانية.