فلسطين أون لاين

تقرير بين الركام والصرف الصحي.. كارثة بيئية تطارد سكان "اليرموك" شمال غزة

...
صورة من الأرشيف
غزة/ محمد الأيوبي:

لا تتوقف معاناة سكان منطقة اليرموك شمالي مدينة غزة عند حدود الدمار الواسع الذي خلفه الاحتلال الإسرائيلي في منازلهم، بل تمتد إلى انعدام شبه كامل لمقومات الحياة الأساسية، في مقدمتها طفح مياه الصرف الصحي، وانقطاع المياه، وانتشار البعوض والحشرات، ما حول عودة الأهالي إلى المنطقة إلى تجربة يومية قاسية تهدد صحتهم وحياتهم.

وكانت قوات الاحتلال قد اجتاحت منطقة اليرموك في سبتمبر الماضي/ أيلول الماضي، خلال عدوانها على شمالي قطاع غزة، ودمرت غالبية منازلها، لتتحول الأحياء السكنية إلى ركام. ورغم ذلك، عاد بعض السكان إلى المنطقة على أمل إعادة إحيائها، في ظل غياب شبه كامل للخدمات الأساسية.

وضع كارثي

يقول المواطن رامي الدلو إنه عاد إلى منطقة اليرموك على أمل بدء حياة جديدة، لكنه اصطدم بواقع كارثي. يقول لصحيفة "فلسطين": "لا ماء، لا كهرباء، لا مساعدات، فقط حطام يملأ المكان". ويؤكد الدلو أن مياه الصرف الصحي تشكل الخطر الأكبر، إذ تجري في عرض الشارع على مدار الساعة دون توقف، ما يلوث المنطقة ويهدد بانتشار الأمراض.

ويضيف الدلو أن محاولات السكان للتخفيف من الأزمة بوسائل بدائية لم تُجد نفعًا. "حاولنا وضع حجارة في عرض الشارع لإعاقة تدفق المياه العادمة، وتسهيل عبور المارة، لكن المشكلة أكبر من حلول فردية"، مشيرًا إلى أن سكان الحي توجهوا إلى البلدية عدة مرات، حيث نفذت الطواقم إصلاحًا مؤقتًا لم يصمد سوى يوم واحد، قبل أن تعود المياه للجريان مجددًا.

وفي مشهد يومي يعكس حجم المعاناة، كان الطفل أحمد سالم يحمل قربة مياه فارغة، يسير بين ركام المنازل المدمرة وعلى شارع غمرته مياه الصرف الصحي، بحثًا عن مصدر لمياه الشرب. يقول أحمد: "ما في ميه حلوة بتيجي على المنطقة، وإذا أجت بتكون بعيدة كثير. أغلب الأوقات بنروح نشتري ميه من محطة التحلية، وبنضطر نمشي مسافة طويلة علشان نوصل".

أما أبو إياد عوض، فكان يجر عربة صغيرة محملة بجالونات المياه وسط الطريق المدمر، يقول إن سكان المنطقة يعانون الأمرين نتيجة غياب الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وغيرها، بالإضافة لغرق الشارع الرئيسي بمياه الصرف الصحي.

ويشير عوض لـ"فلسطين"، إلى أن المياه لا تصل إلى المنطقة سوى مرة واحدة في الأسبوع، ما يضطر السكان للاعتماد على غاطس مياه في منطقة قريبة بتكلفة مالية مرتفعة، إضافة إلى مشقة نقل المياه لمسافات طويلة، مشددًا على أن "الحصول على المياه صار رحلة يومية شاقة".

من جهتها، تعرب أسماء مطر عن خشيتها على أطفالها من مخاطر مياه الصرف الصحي والرائحة الكريهة التي تملأ المنطقة. تقول: "الأمراض بتهدد أولادنا، وما في حد تدخل لحل المشكلة. البعوض منتشر بشكل كبير، وما بخلينا ننام الليل، والأولاد طول الليل يبكوا من اللدغات".

وتناشد مطر البلدية والجهات المسؤولة بالتدخل العاجل لحل المشاكل التي تعانيها المنطقة، مؤكدة أن عودة السكان إلى اليرموك كانت بدافع إحياء المنطقة من جديد، رغم الدمار الهائل، لكنها تشدد على أن ذلك يتطلب توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، من مياه وخدمات أساسية ومدارس.

انهيار البنية التحتية

وتتزامن معاناة سكان اليرموك مع تحذيرات أطلقتها بلدية غزة من مخاطر كبيرة تهدد حياة السكان والنازحين، في ظل انهيار واسع في البنية التحتية وأكدت بلدية غزة أن منظومة الصرف الصحي في المدينة باتت "منكوبة ومعطلة بالكامل"، مشيرة إلى أن تدمير البنية التحتية وغياب المعدات والمواد اللازمة أدّيا إلى توقف شبه كامل في أعمال الصيانة.

وقال المتحدث باسم البلدية، حسني مهنا، إن أكثر من 185 ألف متر طولي من خطوط الصرف الصحي دُمرت بالكامل، وهو ما يشكّل نحو ثلث الشبكة الأساسية في المدينة، إضافة إلى انسداد قرابة 5 آلاف منهل بفعل الركام والرمال.

وأضاف أن ثماني محطات لضخ المياه العادمة تعرضت لأضرار جسيمة، بينها ثلاث محطات دُمّرت بالكامل وخمس تضررت جزئيًا، فيما أصيبت محطة المعالجة في الشيخ عجلين بأضرار بالغة إلى جانب الخطوط الناقلة إليها.

وشدد مهنا على أن طواقم البلدية تعمل بنسبة لا تتجاوز 50 بالمئة من طاقتها، محذرًا من أن الأحوال الجوية واستمرار إغلاق المعابر قد يؤديان إلى تفشي أمراض خطيرة لا يمكن التنبؤ بحجمها.

وذكر أن الاحتلال دمّر 133 من آليات البلدية والقطاع الخاص اللازمة لجمع النفايات وأعمال الطرق والصرف الصحي، من أصل 180 آلية كانت تعمل قبل الحرب، ما ضاعف من عجز البلدية عن تقديم خدماتها.

وأشار إلى أن البلدية قادرة على معالجة أزمة الصرف الصحي والنفايات خلال فترة تتراوح بين 3 و4 أشهر في حال سُمح بإدخال المعدات ومواد الصيانة اللازمة.

وارتكبت (إسرائيل) منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 –بدعم أميركي أوروبي– إبادة جماعية في قطاع غزة، شملت قتلاً وتجويعًا وتدميرًا وتهجيرًا واعتقالًا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة أكثر من 240 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، معظمهم أطفال، فضلاً عن الدمار الشامل ومحو معظم مدن ومناطق القطاع من على الخريطة.

المصدر / فلسطين أون لاين