فلسطين أون لاين

غزة تقتل.. والمجتمع الدولي مشارك

ليلةً بعد أخرى، يواجه أهل غزة شكلًا جديدًا من الموت لا يقل وحشية عن القصف، لكنه أكثر صمتًا وأشد قسوة.

ففي القطاعٍ المدمّر والمحاصر، تحوّلت الأمطار والبرد إلى سلاحٍ إضافي، يطارد النازحين داخل خيام مهترئة لا تقي مطرًا ولا تمنع ريحًا، ولا تحفظ حياة طفل.

خلال يومين، استُشهد 10 مواطنين- حتى لحظة كتابة المقال- داخل بيوت مهدّمة بعدما عادوا إليها هربًا من الغرق في الخيام، ومن البرد القارس، ومن قذائف الاحتلال التي تواصل ملاحقة المدنيين حتى في أماكن نزوحهم.

هذه ليست “حادثة عرضية”، بل صورة مكثّفة عن واقع غزة اليوم: لا ملجأ آمن، ولا خيار أقل خطرًا، وكل طريق يؤدي إلى الموت بطريقة ما.

الأطفال يموتون من البرد، ومن الأمراض، ومن سوء التغذية، ومن النوم فوق أرضٍ طينية مغمورة بالمياه.

وما يزيد المأساة قسوة أن هذا الموت ليس قدرًا طبيعيًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات التدمير والحصار ومنع الإيواء الآمن وعرقلة إدخال أبسط مستلزمات البقاء.

إن الإبقاء على أكثر من مليون ونصف نازح داخل خيام مهترئة في فصل الشتاء لم يعد مسألة “نقص إمكانيات”، بل بات عنوانًا لفشل أخلاقي دولي، وتواطؤ بالصمت، يُترجم يوميًا بجثث جديدة.

هنا تبرز البيوت الجاهزة (الكرافانات) كحل إنساني عاجل وواقعي وقابل للتنفيذ الفوري، إلى حين بدء الإعمار الشامل.

الكرافانات ليست رفاهية ولا بديلًا دائمًا، لكنها الحد الأدنى من “الإيواء” حين يصبح القماش قبرًا مؤقتًا.

إنها تحمي من المطر والبرد، وتوفر عزلًا نسبيًا للأطفال والمرضى وكبار السن، وتوقف نزيف الموت غير المباشر الذي يتسع بصمت.

وأي تأخير في إدخالها يعني مزيدًا من الضحايا الذين لن تُحصيهم بيانات القصف وحدها.

الوسطاء والمجتمع الدولي، بمؤسساته الأممية والحقوقية، مطالب اليوم بما هو أكثر من بيانات قلق ومناشدات فضفاضة.

المطلوب ضغطٌ حقيقي وفعلي لإدخال الكرافانات فورًا، وفتح المعابر أمام مواد الإيواء والتدفئة، وإطلاق استجابة طارئة للواقع القاسي والمميت في غزة.

كما أن على الدول المؤثرة أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه المدنيين، وألا تسمح باستمرار تحويل الإغاثة إلى ملف تفاوضي بينما الناس تموت.

لقد قُتل الفلسطينيون بالصواريخ، وبالدهس، وتحت التعذيب، واليوم يُقتلون بالبرد والغرق والصمت الدولي.

وهذا شكلٌ من القتل لا يقل جريمة عن القتل المباشر، لأنه نتاج قرارٍ واضح بترك المدنيين بلا حماية وبلا مأوى وبلا حد أدنى من الكرامة الإنسانية.

غزة لا تطلب تعاطفًا عاطفيًا ولا بيانات تضامن مؤقتة.

غزة تطلب إنقاذًا فوريًا، وكل يوم تأخير هو قرار غير معلن بترك الأطفال والنساء والمرضى يواجهون الشتاء وحدهم… حتى الموت.

المصدر / فلسطين أون لاين