بينما تلفح الرياح الباردة وجوه النازحين في مخيمٍ مهمّش أقيم وسط مدينة غزة، تهتزّ خيامهم المهترئة تحت وطأة الطقس المثقل بالأمطار ولسعات البرد.
وبالقرب من مكب نفايات اليرموك، يقف النازحون فوق أرض موحلة غمرتها مياه الأمطار، وقد فقدوا كل ما يشبه السقف، فلم يبقَ لهم سوى قطع قماش ممزقة لا تردّ الهواء البارد ولا تمنع رشقات المطر المتتابعة، بعد أن ابتلعت الحرب بيوتهم وأحلامهم.
في خيمة صغيرة، يجلس كريم عليان، في الأربعينيات من عمره، مع أفراد عائلته تحت طبقات من البطانيات الرطبة، يحاولون تدفئة أجسادهم التي كاد البرد أن يجمدها.
وقال: "لم نعد نشعر أننا مرئيون.. لا غذاء يكفي، ولا دواء، ولا أحد يسأل عنا. لم نتلقَ أي مساعدات منذ ثلاثة أشهر."
كان عليان يتحدث لـ "فلسطين أون لاين" وهو ينظر إلى الثقوب في الخيمة، بينما الهواء البارد يتسلل من كل الجهات، ويحاصرهم البعوض والقوارض القادمة من مكب النفايات المجاور، بكل ما يحمله من روائح وأوبئة.
وأضاف: "نحن بحاجة ماسّة إلى المساعدات من أصحاب رؤوس الأموال والمبادرين.. عليهم أن ينظروا إلينا بعين الرحمة."
أما عائلة رولا سمير، التي فقدت منزلها في قصف إسرائيلي عنيف استهدف بلدة بيت لاهيا شمال القطاع خلال حرب الإبادة، فتقضي ساعات طويلة بحثًا عن مياه نظيفة وطعام يسد الرمق.
وتقول الشابة العشرينية: "الشتاء يحاصرنا، والخيمة لا تحمينا. أطفالي الثلاثة يسعلون طوال الليل ولا نجد دواء."
تحاول الأم الاحتفاظ بالقليل من الخبز، لكنه يفسد سريعًا بسبب الحشرات التي اجتاحت المكان.
وأضافت لـ"فلسطين أون لاين"، وهي تضم طفلها الأصغر إلى صدرها: "لم نعد نعرف طعم النوم.. الخيمة تصفّر طوال الليل، والبرد ينخر عظامنا. لا أحد يسأل عنا، ولم تصلنا أي مساعدات منذ أسابيع."
وتعترف رولا بخوفها الشديد من القوارض التي تتسلل إلى الخيمة: "أحيانًا نسمع صوتها قبل أن نراها.. الأطفال يرتجفون، وأنا لا أعرف كيف أحميهم."
على بُعد أمتار قليلة، يقيم إسحاق فياض، الذي يعاني بترًا في ساقه اليمنى، في مكان لا يصلح للحياة الآدمية تحت سقف خيمة هشّة لا تناسب ظروفه الصحية.
وتبدو خيمته الأكثر اهتراءً بين مئات الخيام المتناثرة بجوار مكب النفايات، وقد أغرقتها مياه الأمطار التي تسربت بغزارة، بعدما استباحتها الحشرات والقوارض.
يسرد فياض تفاصيل تلك اللحظات القاسية: "استيقظت على صراخ الأطفال بعدما تساقط المطر مباشرة فوقهم. قضينا الليل نحاول سد الثقوب بالنايلون، لكنه تمزق."
وأشار إلى بقايا طعام في وعاء صغير وقال: "هذا كل ما نملك اليوم.. لا نعرف كيف نؤمّن وجبة الغد. لا غاز، ولا أدوات طبخ، ولا مياه نظيفة تكفي. ولولا التكيات لمتنا من الجوع."
ويشكو فياض من الروائح الكريهة والحشرات المنبعثة من مكب النفايات: "لم تختفِ رغم البرد والأمطار.. بالعكس، اتخذت الحشرات من خيامنا ملجأ لها."
ويواجه نازحو الخيام أوضاعًا مأساوية بعد أن فقدوا منازلهم وكل ممتلكاتهم التي طمرتها الأنقاض، فيما يعيش معظمهم تحت أسقف مهترئة للسنة الثالثة على التوالي، وسط ظروف إنسانية خانقة وغياب شبه تام للدعم الإنساني، الذي يواصل الاحتلال الإسرائيلي عرقلة وصوله إلى القطاع الساحلي بشكل كامل وسلس.

