فلسطين أون لاين

تسجيل 279 محاولة انتحار في صفوف الجيش خلال 18 شهرًا

تصاعد "انتحار الجنود".. مشاهد الدمار وكمائن المقاومة تلاحق مرتكبي الجرائم

...
تسجيل 279 محاولة انتحار في صفوف الجيش خلال 18 شهرًا
غزة/ يحيى اليعقوبي

تتصاعد حالات انتحار جنود جيش الاحتلال المشاركين في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بشكل لافت، فخلال يومي السبت والخميس الماضيين انتحر جنديين نتيجة معاناتهما من اضطراب ما بعد الصدمة، ولا ينفك عن ذلك، ارتكابهم جرائم بشعة لاحقتهم مع توقف الحرب خاصة قتل النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد.

ويربط مراقبون بين حالات الانتحار، وما تعرض له الجنود من كمائن مفاجئة من المقاومة كانت صادمة بالنسبة لهم وهم يرون زملائهم الجنود يُحملون قتلى بواسطة الطائرات، فضلا عن العيش بخوف وقلق أثناء التنقل بين المنازل.

وبالرغم من التغطية الجوية والمدفعية الواسعة للجنود بكثافة نارية مهولة مسحت على إثرها مناطق كاملة، إلا أنها لم تؤمن الجانب النفسي الذي ظل يلاحق الجنود، بفعل شجاعة المقاومين الذين لم يمنعهم كل ما وفره جيش الاحتلال من تغطية وحماية لجنوده من تنفيذ كمائن أربكت حسابات الاحتلال وحققت خسائر بشرية ومادية في الآليات.

ارتفاع كبير

ووفق صحيفة "معاريف"، انتحر الجندي نهوراي رافائيل بارزاني السبت الماضي، بعد معاناته من صدمة نفسية عميقة ناجة عن مشاركته في الحرب بغزة، والخميس انتحر توماس إدزغوسكس (28 عاما) وهو ضابط احتياط بـ "لواء غفعاتي" بعد صراع نفسي مرير.

وكشفت معطيات رسمية إسرائيلية نهاية أكتوبر/ تشرين أول الماضي عن تسجيل 279 محاولة انتحار في صفوف الجيش خلال 18 شهرا منهم 36 عسكريا فقدوا حياتهم فعلا.

وربطت الصحيفة بين ارتفاع مطرد في حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي والتداعيات النفسية للحرب على غزة، وقبل نحو شهرين تحدث بارزاني عن معاناته من اضطراب ما بعد الصدمة، وأنه قضى ثلاثة أشهر خارج دولة الاحتلال للعلاج.

بدوره، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي أمين الحاج: إن "في علم الاجتماع ينظر إلى الذنب والجريمة كجزء من منظومة قيم تتحكم في سلوك الأفراد، الجندي الذي يشارك في الحرب لا يراها عنوانا أو خبرا، بل هو يعيش تفاصيلها الدقيقة من قتل وتدمير وجثث وأطفال وخوف، وكل ذلك يبقى عالقا في ذاكرته بعد انتهاء القتال".

وأضاف الحاج لـ "فلسطين أون لاين": "هنا تتحول الجريمة من فعل خارجي إلى عبء داخلي يصعب التخلص منه، ومع تكرار المشاهد في مخيلته يزداد الضغط النفسي ويظهر ما يشبه الشعور بالذنب وذلك على شكل تآكل بطيء لحالته النفسية والذي يقود في لحظة ما إلى الانهيار الكلي".

وغالبا يعاني هؤلاء الجنود من قلق واضطرابات مرتبطة بالصدمات، وصعوبة في العودة لحياة "طبيعية" كثير منهم يشعر بالعزلة وعدم القدرة على التكيف، خاصة داخل منظومة تمجد القوة ولا تحاول الاعتراف بالخسارة، ومع عجز الدعم النفسي عن اسعافه ما يزيد من احتمالية الانهيار وربما الوصول إلى محاولات انهاء الحياة والانتحار".

دلالة الأرقام وتوقيتها

ورأى أن الأرقام المرتفعة، وتوقيتها لا تشير إلى حالات فردية معزولة، بل إلى ظاهرة مرتبطة بالحرب نفسها، ومن المؤكد أنه لا يتم الإعلان عنها جميعا، وارتفاع المحاولات يعني أن الأثر النفسي عميق ومستمر، وأن خطاب "النصر" الذي روج له الاحتلال لا يخفي عجزه عن احتواء النتائج.

ما يعني باختصار، وفق الحاج،  أن هذه الحرب التي دمرت غزة ماديا، تركت أيضا دمارا نفسيا هائلا في نفسيات من ارتكبوا الجرائم، وهذا يشبه كرة الثلج إلى حد ما، ما سيعني أن الظاهرة ستكبر وتتسع وتأخذ معها المزيد منهم بمرور الوقت.

وربط الحاج حالات الانتحار بعامل إضافي آخر ومهم مرتبط بالاضطرابات النفسية لدى جنود جيش الاحتلال عبر مشاهد استهداف زملائهم على يد المقاومة سواء عاشوها ميدانيا أو عبر تسجيلات وصور لاحقة.

ويرتبط بظهور "اضطراب ما بعد الصدمة" إذ تترسخ اللحظة في الذاكرة وتعاود الظهور على شكل صور ذهنية أو كوابيس أو استرجاع مفاجئ للمشاهد، مما يجعل البعض يشعر وكأنه يعيش الحدث مجددا مرات ومرات أو كأن التهديد لا يزال قائما والتي تترافق مع توتر واضطرابات في النوم وعدم القدرة على العودة إلى الحياة اليومية، فتتحول الصدمة إلى عبء مستمر قد يقود إلى الانتحار. وفق الحاج، وفي المحصلة المقاومة، هي المصدر الميداني للتهديد الذي يفقده شعور السيطرة، بينما الصدمة تتكفل بالباقي لاحقا.

المصدر / فلسطين أون لاين