فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)

أبا عبيدة الأيقونة

أبا عبيدة… أيقونة الحرية وسيد الإعلام المقاوم، يقف وحيدًا فوق ركام بيوت غزة، يصنع من بين الأنقاض نسيج الأمل، ويجمع في راحة يده البطولة وفصل الخطاب، محيكًا لكل فتى كوفية وكاميرا وضمادة جرح، ليحيل فلسطين حيّة في قلب كل مؤمن.

يترجل وجه الطوفان والمحرقة في ساحات الشرف، فاستشهاده (إن صح) قدر شعب اختار الدفاع عن دينه ووطنه، والقلب الشجاع وحده يضيء الطريق، وتصحيح السردية يفتح أبواب التحرير.

حذيفة الكحلوت، رمز وفارس نبيل، خرج لله ليحرر أرضه ويعيد أهله إلى المجدل ونعليا، واضعًا نصب عينيه شهادة الانصهار في سبيل الله وعلى درب تحرير القدس، حاملاً رسالة الأجداد، وغرس حب الأرض وروح الصمود في كل حجر ودم وقصة، ليصبح كل فعل وكل لحظة شهادة حية على الصبر والجهاد، وإيمانًا لا ينكسر بأن فلسطين ستظل شامخة، نابضة بالأمل، حيّة في قلب الظلمات مهما اشتدت. وخطواته ممتدة بالكيلومترات، وصدى صوته يرفع راية الثبات، ودمه يجري كنهر حيّ في شوارع غزة، يروي أرصفة الوطن ويزرع الأمل في وجوه أطفالها، ويعلّمهم نطق الحروف الأولى في مدرسة السردية والمقاومة.

الملثم الذي أخفى وجهه ليتضح وجه فلسطين، لم يكن مجرد ناطق أو اسم في سجلات الثورة، بل سيرة شعب كامل في شاب واحد؛ عاش معسكر جباليا الثورة على أنغام خطى عماد عقل، وقلبه يسبح فلسطين من رفح إلى الناقورة، رمزًا خالدًا لشعب عظيم. هدير صوته ونبض كلماته كانا بوصلة الحائرين في بحر أمة متعثرة، حاملًا مشروعًا لا يساوم ورؤية لا تنكسر، تخرّج شابًا يافعًا من مدرسة الإعلام المقاوم، وحوّلته قيادة المنعطفات الحاسمة من رد فعل إلى مشروع سردية سبّاقة، جامعًا بين الوعي والثورة والكاريزما، ثابتًا على الأصول لا يبدل ولا يتراجع، عاش فلسطين جرحًا وأملًا ومصيرًا، وفارسًا أيقونة، ملتحقًا بقافلة الطائفة المنصورة، ليبقى حاضرًا في ضمير الأمة، شاهداً على أن الكبار لا يرحلون بل يورّثون الأمانة للأجيال ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾. ومن طفولته بين جباليا الثورة والبحر، من دفاتر الأطفال ومراكبهم الورقية إلى ساحات المعارك وصواريخ القسام، ترسخ اسمه في الحجر والأرض والأشجار، ليصبح رحيله ليس نهاية بل انفجارًا في كل قلب أمة الخذلان، ستبقى صرخته تتجاوز الزمان: "أنتم خصومنا أمام الله"، تهز ضمائر أمة الغثائية وتوقظ رجولة تأخرت، وتدفع للفعل بدل البكاء على قارعة الانتظار، لتصبح هذه اللحظة ليست وداعًا بل انطلاقًا، فكل دم يُراق وكل صوت يُسكت هو نبراس يذكرنا أن أبو عبيدة حيّ في عزيمتنا، وأن أبا عبيدة لم يمت، ولكن شبه لهم.

من المحراب بدأت رحلة فارس الكلمة والكاميرا، فانطلق القطار نحو تحرير فلسطين، وقوده الدم والكلمة والكاميرا، إعلاميوه يعتلون صهوة المجد، يرفعون صورًا أبلغ من ألف كلمة، ويوثقون سقوط وتهاوي بيت العنكبوت. فبالدم كُتبت أفعالهم: "ليسوؤوا وجوهكم". يسير القطار شامخًا بلا توقف، يخترق الحدود، ويصبح ما كان حلماً واقعًا. أبا عبيدة، منارة حجبت الظلام وأنارت دروب الحقيقة، أعادت كتابة سردية فلسطين السليبة، فاستحق كل تقدير وأجيالًا تتذكره كأيقونة، متمنطقًا بالشهادة، يحاصر الموت، ويتجاوز المكان والزمان، شامخًا كعلم مقاومة لا يسقط، يواجه الظلام بالكلمة والكاميرا، يحاصر الأوغاد بصدق روايته، ويكتب بدمه وأشلائه نورًا على الأزقة، ليبقى طريق القدس مفروشًا بالصبر والصدق، والشهادة كتابًا مؤجلًا بيد الله، منارة سامقة في جبين الوطن، محفورة في كل شبر، تروي للأمة أن العظماء لا يرحلون، بل يورّثون الأمانة والبطولة، تاركين الوطن مشرقًا بذكراهم، منارة لا تنطفئ على فجر التحرير المنتظر.

غزة المحرقة لم تعرف الراحة منذ سنتين، فالليل يتسلل بخيوطه حاملاً أبا عبيدة كالشظايا المشتعلة في قلب كل حر، في لحظة يغدو فيها الزبد كثيرًا والمقاتلون قلة، والحواجز والأشواك تتربص بالعيون المقاتلة صوب كل بقاع فلسطين. فاحتراق الأيقونة يعني أنه ترك فلسطين محتضنة عباءته المصنوعة من زيتون، ووجهه مشرقًا على حدود الشهادة، رمزًا للرجل المعنى في زمن تهاوت فيه المعاني.

في زمن ضاقت فيه الأرض بما رحبت وسقطت الأقنعة، برز رجال غزة كجبال شامخة، كالضياء الذي لا يخبو، يكتبون بدمائهم ودموع أمهاتهم تاريخ الأمة، من أنفاق الصبر خرجوا لا يطلبون إلا وعد الله الحق، عارفين أن طريق القدس مفروش بالألم لا بالورود، قضى منهم من قضى، وبقي منهم من ينتظر، ولم يبدلوا تبديلاً، رهبان بالليل وفرسان بالنهار، الطائفة المنصورة التي لا تهزها خيانات ولا محن، يرتقون شهداء بأشلاء ممزقة وأجساد ذائبة، لكن أرواحهم تعلو فوق الركام، منارات للأمة، وصرخاتهم ترتفع في علياء السماء: "يا رب خذ من دمنا وأهلنا حتى ترضى"، هم غزة العزة، أيقونة العالم وجسر التحرير، الذين كتب الله أن يكون شهداؤهم سادة الشهداء، وباقيهم سادة الدنيا، حتى يكتمل الوعد وتشرق فجرية التحرير: ﴿أليس الصبح بقريب﴾.

أبا عبيدة… أيقونة المجد في زمن الانهيار، شعلة نور انفجرت في وجه الطغيان، وأقسمت ألا تعود إلا منتصرًا بسردية الحق، متجاوزًا ذاتك وتاريخك وجراحك، مقدمًا للأمة أيقونة تُكتب بالدم الطاهر، قرآنًا من صبر وثبات، وآية حية من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ثابتًا لا ينكسر، راقبت النصر يتسلل من شقوق الظلام مترقبًا وعد الله بالاستخلاف ودخول المسجد كما دخله المؤمنون أول مرة، كاشفًا الزيف وموقدًا الضمائر الغافية، صانعًا رسالة إعلامية تغيّر الموازين وتشكل الرأي العام في صمود أسطوري يحقّق وعد الله بمحق الظالمين وتمحيص المؤمنين.

أبا عبيدة وصحبه أسقط سردية امتدت قرنًا كاملًا منذ الاحتلال البريطاني والنكبة عام 1948، مرورًا برعاية أمريكا لجرائم الاحتلال، وصولًا إلى المعاناة المعاصرة، موضحًا للعالم جرائم الاحتلال وسائر الصمت الدولي المخزي، مثبتًا أن ما يُرتكب في غزة نكبة حية، وأن انتصار الإرادة الفلسطينية حتمي {وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ}.

معركته الإعلامية كانت اختبارًا للصدق والثبات، ثبّتت في محرقة النار والجوع بقلب لا يلين، وواجه جيشًا من سحرة فرعون وأصحاب رواية التضليل الإعلامي، مؤمنًا أن النصر يُصنع بالصبر لا بالكثرة: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}، فمن ارتقى شهيدًا، ومن ينتظر، وما بدلوا تبديلاً، مدركين أن الموت كتاب مؤجل لا يُقدَّم ولا يُؤخَّر إلا بإذن الله.

سيد الكلمة وفارس الصورة، سنستلهم منك ما نشاء، ونقطف من أشجارك دروس الشجاعة لأطفالنا، وننقش أسمك على صدورهم، ونروي لهم حكايتك الأسطورية لرجل صدق، لتبقى فطرتهم مشتعلة بالحنين إلى الشهادة، بينما أجسادكم المنثورة في مدائننا وسواحلنا تحرس قباب الأقصى وتشهر الإيمان في وجه الطغيان، منارات ضياء لا تنكسر، صاعدة على ممرات نورانية نحو مشارف الجنة. فلسطين تتوشح بكم، فسلام عليك أيها القمر المنير، سلام يا بصمة الروح الثائرة، سلام أيها الفارس الأيقونة.

هكذا يرتقي الأبطال، ليس كأجساد، بل كشعلة تضيء الطريق، كشجرة تمتد جذورها في السماء، تنتقل من حياة إلى حياة، من دار إلى دار، تاركة بصمات خالدة: شجاعة، تضحية، وحرية لا تعرف الانكسار. ومن حاول إطفاء ناره، سيكتشف أن جسده إن رحل، لكنه حيّ في كل حجر وزاوية وراية، وفي كل قلب حر يعرف أن الأيقونة لم تمت، وأن خطوته ستظل بيتًا لكل الفلسطينيين، ودمه وصية ترشد الأجيال إلى الشجاعة والكرامة والحرية.

المصدر / فلسطين أون لاين