حذرت باحثة في الهندسة الكيميائية والبيئية من تداعيات خطيرة لتراكم النفايات في الشوارع وحول أماكن النزوح في غزة، إضافة لانهيار منظومة الصرف الصحي، على مياه الشرب والتربة في القطاع.
وأدى العدوان الإسرائيلي على غزة لانهيار كامل في منظومة جمع ومعالجة النفايات، وكذلك في شبكات الصرف الصحي، الأمر الذي تتجاوز خطورته ما يقع في الشوارع من تكدس للنفايات والمياه الملوثة إلى أبعد من ذلك بكثير.
خطر تراكم النفايات
وقالت الدكتورة إسلام الهبيل المختصة في الهندسة الكيميائية والبيئية لصحيفة "فلسطين" إن تراكم أطنان النفايات في الشوارع وحول أماكن النزوح، إلى جانب انهيار شبكة الصرف الصحي بالكامل، يؤدي إلى تسرب الملوّثات مباشرة إلى الخزانات الأرضية ومصادر المياه الجوفية الضحلة، والتي تعتبر واحدة من أهم مصادر المياه في غزة.
وأضافت: "المياه المخلوطة بالعصارة الناتجة عن تحلل النفايات تحمل كميات عالية من البكتيريا، الفيروسات، النترات، الأمونيا، والمعادن الثقيلة، وهذا التلوّث يزداد خطورته في غزة بسبب الاعتماد الكبير على الآبار الضحلة، وضعف المعالجة، وتضرر شبكات الضخ، مما يجعل احتمالات انتقال الممرضات إلى مياه الشرب مرتفعة للغاية".
وأشارت إلى أن تدمير شبكات الصرف الصحي وشبكات المياه في قطاع غزة، يؤدي إلى اختلاط مياه الصرف الصحي بشبكات المياه وتلوثها بشكل كبير، وهو ما يؤدي إلى نتائج خطيرة على الصحة العامة للمواطنين.
وقالت في هذا الصدد: "النتيجة المتوقعة هي ارتفاع كبير في الأمراض المنقولة بالماء، مثل الإسهالات الحادة، الكوليرا، التيفوئيد، التهاب الكبد الوبائي A، والتهابات الجهاز الهضمي، كذلك ظهرت أمراض جلدية مثل الجرب والتهابات الفطريات بسبب استخدام مياه ملوّثة في الاستخدام اليومي".
ولفتت الدكتورة إسلام الهبيل إلى أن التعرض المزمن للنترات والمعادن الثقيلة قد يسبب اضطرابات في الغدة الدرقية، فقر الدم، وتسمم الأطفال، إضافةً إلى زيادة مخاطر الفشل الكلوي على المدى الطويل.
خطورة تلوث مياه الري
وعن الآثار المترتبة على ري المزروعات بمياه ملوثة أضافت: "عندما تُروى المزروعات بمياه ملوّثة بالصرف الصحي أو العصارة العضوية للنفايات، تميل التربة إلى تراكم الأملاح والملوثات الكيميائية، مما يضعف نمو النباتات ويزيد من احتمال انتقال البكتيريا والمعادن الثقيلة إلى الخضروات والفواكه".
وأردفت: "هذا التلوث لا يهبط فقط بالإنتاجية الزراعية، بل يعرض المستهلكين لمخاطر صحية عبر السلسلة الغذائية، خصوصاً في المزروعات الورقية التي تمتص الملوّثات بسهولة أكبر. وهذا ما حدث في غزة مراراً خلال الحروب السابقة، مما أضعف انتاج القطاع الزراعي".
حلول أولية ونصائح للمواطنين
وفي الوقت الذي اعترفت الدكتورة الهبيل فيه بصعوبة إيجاد حلول عملية في الوقت الراهن لتلك الأزمة، قدمت بعض الحلول الأولوية، التي يمكن أن تخفف من التداعيات الكارثية لتلوث المياه في غزة.
وقالت في هذا الإطار: "رغم محدودية الإمكانات، يمكن اتخاذ إجراءات إسعافية تقلل حجم الكارثة، مثل فصل النفايات العضوية عن غيرها وتقليل تراكمها حول مصادر المياه، إنشاء حفر تصريف مؤقتة للصرف الصحي بعيداً عن الآبار والخزانات، وإقامة نقاط توزيع مياه آمنة عبر الصهاريج التي تخضع للرقابة. مع اقامة محطات تحلية صغيرة ومؤقتة من قبل الجهات المسئولة داخل مجمعات الخيام لتخدم الناس هناك وتحول تزويدهم بجزء من المياه النظيفة".
وبخصوص بما يمكن أن تقدمه من نصائح للمواطنين قالت الدكتورة إسلام الهبيل لـ"فلسطين": "يُفضَّل غلي مياه الشرب لمدة دقيقتين على الأقل قبل الاستخدام، رغم معرفة صعوبة ذلك بسبب عدم توفر الوقود، مما سيضطر النازحين إلى التسخين على الحطب وهذا عبء آخر عليهم".
وأضافت: "من المهم أيضاً تجنب رمي النفايات قرب الآبار أو خزانات التجميع. في حال ظهور أعراض إسهال حاد أو قيء متكرر، يجب تناول محاليل الإماهة فوراً والتوجه لأقرب مركز صحي متاح"
وختمت بالقول: "غزة اليوم تواجه واحدة من أعقد الأزمات البيئية والصحية في تاريخها الحديث، أزمة تتجاوز حدود الحرب المباشرة لتلامس الماء الذي يشربه الناس والطعام الذي يزرعونه ويأكلونه. الحفاظ على الحد الأدنى من السلامة البيئية بات عملاً جماعياً يحتاج وعياً مجتمعيّاً، ودعماً مؤسسياً، وضغطاً دولياً يضمن دخول الإمدادات والخبرات اللازمة".

