في خطوة وصفت بأنها الأخطر منذ سنوات، نفذ أكثر من ألف قس—معظمهم من الولايات المتحدة—اقتحاما للقدس المحتلة، ضمن تحرك منسق بدا أقرب إلى استعراض قوة هدفه تعزيز الرواية الإسرائيلية في المدينة المقدسة.
وجاء هذا الاقتحام في لحظة شديدة الحساسية تمر بها المدينة، إذ يتصاعد الغضب الدولي تجاه سياسات الاحتلال، ما جعل الخطوة تقرأ بوصفها محاولة لتثبيت الهيمنة الدينية والسياسية في الأقصى والقدس عموما.
وبحسب ما نشر من معلومات فإن الوفد يتبع لمركز Friends of Zion Heritage Center، وهو كيان مرفوض من الكنائس في فلسطين والمنطقة، نظرا لتبنيه خطابا صهيونيا يتعارض مع القيم المسيحية وتعاليمها.
وبدأ الاقتحام في الثاني من كانون الأول/ديسمبر الحالي، وما يزال مستمرا، إذ يعلن عن أنشطة الوفد فقط بعد تنفيذها، لأسباب أمنية وفق ما أورده القائمون عليه.
واستهل أفراد الوفد اقتحامهم بأداء صلاة جماعية على الدرجات الجنوبية التاريخية المؤدية إلى المسجد الأقصى، في فعل اعتبرته شخصيات مقدسية استفزازا وتجاوزا متعمدا للواقع الديني القائم، ثم اتجهوا إلى حائط البراق لأداء طقوس ذات طابع تلمودي، جرت دون أي تنسيق أو موافقة من دائرة الأوقاف الإسلامية، صاحبة الولاية القانونية والدينية على المكان.
وقد اعتبر هذا التحرك غير المنسق شكلا من أشكال العبث بالوضع التاريخي والقانوني في الأقصى، ومحاولة لفرض حضور خارجي يراد له أن يصبح أمرا واقعا داخل الحرم.
وقال ديمتري دلياني، رئيس التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة، إن دخول هذا العدد من الأشخاص تحت رعاية حكومة الإبادة يمثل تحركا دعائيا معدا مسبقا لخلق غطاء روحي زائف يسهل تمرير المشروع الإسرائيلي.
تلميع رواية الاحتلال
وأوضح دلياني لـ "فلسطين أون لاين" أن هذا التحرك يهدف إلى تلميع رواية الاحتلال وطمس جرائمه، عبر استخدام واجهة دينية لا علاقة لها بالإيمان المسيحي ولا بقيمه.
وأشار إلى أن اختيار حائط البراق لأداء الطقوس دون أخذ موافقة الاوقاف الإسلامية، يشكل اعتداء مباشرا على قدسية المكان وعلى الجهة المخولة بإدارته.
وأكد دلياني أن المسيحيين أبناء هذه الأرض نشأوا على احترام قدسية جميع الأماكن الدينية، وأن ما جرى لا يمت للمسيحية بأية صلة، بل يناقض جوهرها.
وتحدث عن الدور المحوري للمنظم الرئيسي، مايك إيفانز، المعروف بدعمه العلني للجرائم الإسرائيلية وانخراطه في حملات هدفها الترويج للمشروع الاستيطاني تحت غطاء ديني.
وبين أن أكثر من مئتي مشارك في الوفد على ارتباط مباشر بشبكات الحزب الجمهوري وحركة "ماغا" الأمريكية، ما يؤكد أن الاقتحام جزء من شبكة تأثير سياسي داخل الولايات المتحدة.
رفض مسيحي
ولفت إلى أن مجلس كنائس الأراضي المقدسة ومجلس كنائس الشرق الأوسط والمجلس العالمي للكنائس يرفضون هذه التكتلات، ويعتبرون خطابها انحرافا عن العقيدة المسيحية.
وأضاف أن استخدام الدين لشرعنة سياسات الاحتلال يمثل إساءة خطيرة للإيمان المسيحي وقيمه الأخلاقية.
وشدد دلياني على أن القدس ستبقى أكبر من كل هذه المحاولات، وأن أهلها يعرفون جيدا التفريق بين الإيمان الحقيقي والتلاعب الديني الموجه لخدمة مشاريع سياسية.
من جهته، حذر فخري أبو ذياب، عضو هيئة أمناء المسجد الأقصى، من أن الوفد ينتمي إلى اليمين الأمريكي المتطرف، وجاء ليعزز موقف الاحتلال داخل المسجد الأقصى.
وأشار إلى أن الخطوة تأتي ضمن مسار طويل لفرض وقائع تهويدية تهدف إلى تحويل المسجد من مكان عبادة إسلامي إلى فضاء ذي طابع ديني يهودي.
وبين أبو ذياب لـ"فلسطين أون لاين" أن الاقتحام يسعى أيضا لتخفيف الضغط الدولي المتصاعد على الاحتلال بعد انكشاف زيف من روايته أمام العالم.
وأكد أن الهيئات والشخصيات المسيحية في فلسطين والمنطقة ترفض هذا التحرك رفضا قاطعا، وتعتبره استغلالا مشبوها للدين بهدف خدمة مشروع احتلالي في القدس.

