فلسطين أون لاين

قراءة أمنية – استخبارية: لماذا تفكر (إسرائيل) بالاعتراف بأرض الصومال؟

...
صورة تعبيرية
متابعة/ فلسطين أون لاين

كشفت دراسة جديدة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي في (تل أبيب) أن القيادة الإسرائيلية تبحث بجدية خيار الاعتراف بـ"أرض الصومال" (صوماليلاند) كدولة مستقلة، في إطار استراتيجية موسّعة لتعزيز حضورها الأمني والاستخباري في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

وتشير الدراسة إلى أن هذه المنطقة تحولت خلال العامين الأخيرين إلى إحدى أكثر الساحات حساسية في الحسابات الإسرائيلية، خصوصًا مع تصاعد تهديدات جماعة أنصار الله الحوثيين، وتأثير ذلك على حركة الملاحة وخطوط التجارة التي تعتبرها إسرائيل مسارًا حيويًا لأمنها القومي.

وتوضح الدراسة أن أرض الصومال، الواقعة في شمال غرب الصومال، تُعد كيانا غير معترف به دوليًا منذ ثلاثة عقود، لكنها تُظهر مستوى نادرًا من الاستقرار السياسي والأمني مقارنة بالوضع المضطرب في الصومال الأم. كما تقدّم نفسها كدولة ديمقراطية موالية للغرب، تربطها علاقات وثيقة مع الإمارات وتايوان، ما يجعلها — وفق التقدير الإسرائيلي — بيئة مثالية للتعاون الأمني والاستخباري، وقاعدة محتملة لأي نشاط إقليمي مستقبلي يخدم المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر.

وقال المختص والباحث في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة، إن الدراسة الإسرائيلية الأخيرة التي تناولت أرض الصومال تكشف توجهًا استراتيجيًا متصاعدًا داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، يقوم على إعادة رسم خريطة النفوذ في البحر الأحمر، وفتح ساحات جديدة للصراع بعيدًا عن الجبهة المباشرة.

 ويرى أبو زبيدة أن اهتمام (إسرائيل) المتزايد بأرض الصومال لا يرتبط بالشق الدبلوماسي فقط، بل بكونها منصة أمنية–استخبارية متقدمة تتيح لـ "تل أبيب" مراقبة الحوثيين وتأمين خطوط الملاحة، وخلق نقطة ارتكاز في واحدة من أهم البوابات البحرية بالنسبة لها.

وأوضح أبو زبيدة أن الدوافع الإسرائيلية المركزية ترتكز أساسًا على موقع أرض الصومال القريب من نطاق العمليات الحوثية، إذ تبعد ما بين300 و500 كيلومتر فقط عن مناطق نفوذهم، ما يجعلها قاعدة مثالية للرصد الجوي والبحري ونشر وسائل استخباراتية أو تنفيذ عمليات خاصة دون ضجيج سياسي.

كما تشبّه الدراسة هذا التوجه بالنموذج الذي استخدمته (إسرائيل) في أذربيجان قرب الحدود الإيرانية، عبر إرساء قواعد أمامية فعالة من دون إعلان رسمي.

ويضيف أبو زبيدة أن التنافس على النفوذ في أرض الصومال بين الإمارات والولايات المتحدة يدفع (إسرائيل) إلى دخول مبكر يمنع تهميشها ويضمن لها موطئ قدم في أي ترتيبات أمنية قادمة في البحر الأحمر.

وبحسب أبو زبيدة، تتمتع أرض الصومال بميزات تجعلها نقطة جذب مهمة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية؛ فهي كيان سياسي مستقر نسبيًا، موالٍ للغرب، ومن دون حضور تركي أو إيراني مؤثر، إضافة إلى موقعها الحيوي المطل على مضيق باب المندب، أحد أهم شرايين الأمن البحري الإسرائيلي.

وتشير الدراسة إلى استعداد حكومة أرض الصومال للتعاون الأمني والاستخباراتي والاقتصادي حتى قبل الاعتراف الرسمي بها، ما يمنح (إسرائيل) هامشًا واسعًا للحركة.

لكن الباحث يحذّر من وجود قيود ومخاطر كبيرة تعيق خطوة الاعتراف، أبرزها الرفض العربي والإسلامي القاطع لأي محاولة لمنح الشرعية لكيان انفصالي، خصوصًا من قبل مصر والسعودية وقطر وجامعة الدول العربية.

كما قد يستغل ذلك سياسيًا ضد (إسرائيل) في ملف فلسطين أو يتحول إلى سابقة دولية تهدد شرعية كيانات أخرى في المنطقة.

ويرى أبو زبيدة أن الإفراط في الانفتاح على أرض الصومال قد يحرج قيادتها، ويعرضها لضغوط إقليمية كبيرة، ما يجعل التعاون الاستخباراتي السري أكثر فاعلية من الاعتراف العلني.

ويقدّر أبو زبيدة أن (إسرائيل) تعمل على توسيع ساحات الصراع بعيدًا عن حدودها، من القوقاز إلى إفريقيا، بهدف حماية مصالحها البحرية وقطع خطوط الإمداد الإيرانية وتعقّب الأسلحة المتجهة إلى الحوثيين.

ويخلص إلى أن أرض الصومال بالنسبة ـ (إسرائيل) ليست مجرد ملف دبلوماسي، بل ساحة استخبارية حساسة، وأن (تل أبيب) ستستمر في تعزيز التعاون معها "دون مستوى الاعتراف" بانتظار خطوة أميركية يمكن أن تفتح الباب لتحركات أوسع، من دون الدخول في صدام مباشر مع الحلفاء العرب أو تعريض مسار "اتفاقيات أبراهام" لأي ارتباك.