سياسة التطهير العرقي التي انتهجتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين بعد قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، والتي جرت تنفيذاً لخطة "دالت" التي أقرت في آذار/ مارس من عام 1948، بهدف حماية اليهود والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، لا تزال قائمة.
ففصول تهويد الأرض الفلسطينية قائمة وإن تعددت الأساليب، فهي إن كانت في السابق تهدم بأيدي تلك العصابات، فإن الفلسطينيين يُكرهون اليوم على الرحيل تحت طائلة التهديد بدفع غرامات مالية بآلاف الشواقل، بموجب قرارات عسكرية إسرائيلية كان آخرها قرار رئيس بلدية القدس المحتلة نير بركات، هدم ستة أبراج سكنية تضم 138 شقة سكنية في حي المطار الملازم لبلدة "كفر عقب" المقدسية، بادعاء أن الأبراج بنيت "بدون ترخيص".
وتمثل تلك الأبراج "حارة" كاملة لفلسطينيين يحملون الهوية الزرقاء، تمكن عشرات العائلات منهم في مايو/أيار الماضي من استصدار قرار بوقف تنفيذ الإخلاء والهدم، إلا أن الاحتلال عاد وقرر طردها وهدم مساكنها.
وتقع البلدة خارج جدار الفصل العنصري، لكنها بقيت ضمن الحدود الإدارية لبلدية الاحتلال، مع بقاء بعض امتيازات السكان مثل الهوية (الزرقاء) والتأمين الصحي، الأمر الذي وصفه منسق الحملة الوطنية لمقاومة الجدار والاستيطان، أحمد صلاح بـ"سياسة تطهير عرقي".
ويؤكد صلاح لصحيفة "فلسطين"، أن هذه السياسة ليست جديدة، حيث تتم علميات مشابهة في مناطق الأغوار ومنطقة الخضر وأم جمّال وغيرها، لافتاً إلى أن منطقة الكفر تعد منطقة مكشوفة أمنياً بسبب قربها من المستوطنات الإسرائيلية.
ووصف ما يقوم به الاحتلال بأنه محاولات "سافرة" لتفريغ مدينة القدس المحتلة من أهله وجعلها عنوة خالصة لليهود، مشيراً إلى أن الاحتلال يتغاضى عن بناء هذه المباني المرتفعة حتى تنتهي ومن ثم يمنع البناء بهدف تحقيق مزيد من التنغيص على الفلسطينيين.
وقال: "كان بإمكانهم منع البناء منذ التأسيس"، ملفتاً إلى منع الاحتلال للتوسع الأفقي، مما يضطر الفلسطينيين للبناء الرأسي، رغم النية المبيّتة لديه لهدمها، أو على الأقل توقعهم ذلك."
وأوضح أن حملة الهوية الزرقاء لديهم اعتبارات والتزامات خاصة مثل دفع "الأرنونا" (ضريبة السكن) وغيرها من الضرائب، وبعد عمليات طردهم قد يعجزون عن الإيجار في القدس بسبب ارتفاع الأسعار مما يضطرهم للجوء إلى بيت لحم أو أي منطقة من مناطق الضفة الغربية المحتلة، وبالتالي يفقدون الهوية الزرقاء.
والهوية الزرقاء هي وثيقة التعريف الإجبارية لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48، كما نص عليها قانون حمل وإبراز بطاقة الهوية لعام 1982، وعلى أي مواطن فلسطيني أو مقيم دائم عمره 16 عاما أو أكبر حمل بطاقة تعريف في أي وقت، وإبرازها عند الطلب منه من قبل قوات الاحتلال.
عقوبات جماعية
وفي سياق متصل، يرى المحلل السياسي المختص في الشؤون الإسرائيلية، فرحان علقم، أن هدم الأبراج من الحالات النادرة التي تحدث مقارنة بهدم المنازل العادية، عازياً ذلك إلى محاولات الاحتلال الإسرائيلي إلحاق أكبر أذى بالفلسطينيين.
وقال في حديث لصحيفة "فلسطين": "يهدف الاحتلال إلى إيقاع العقوبات الجماعية بالشعب الفلسطيني، وتكليفه باهظ الثمن لتحديه الاحتلال وبنائه دون ترخيص كما تزعم سلطات الاحتلال والتي تسعى أيضا إلى وضع العراقيل في وجه المستثمرين العرب بأنه يمكن هدم استثماراتهم في القدس".
وحول مصير هؤلاء السكان، يؤكد علقم أن المساعدات التي يتلقاها المقدسيون ليست سوى مبادرات منفردة من أشخاص في ظل عدم اهتمام المؤسسة الرسمية الفلسطينية، منبها إلى أن هؤلاء قد يضطرون للابتعاد عن القدس بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات مقارنة بمستوى دخل فلسطينيي الأراضي المحتلة.
ومنذ أن احتل شرقي القدس عام 1967، أجرت سلطات الاحتلال تغييرات كثيرة في طبيعة المدينة وتركيبتها السكانية، فصادرت أكثر من 18 ألف دونم، وأقامت تسع عشرة مستوطنة تزيد مساحاتها على 13 ألف دونم، تضم حوالي 57 ألف وحدة سكنية، ويقيم فيها أكثر من 152 ألف مستوطن.