فلسطين أون لاين

​في ذكرى "إعلان الاستقلال"

"حرب الاستيطان" بالضفة.. حقائق تهدد إقامة دولة فلسطينية

...
إحدى مستوطنات الاحتلال (أ ف ب)
غزة - نبيل سنونو

"عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءًا يا وطني"؛ كأنما كان الشاعر محمود درويش يرى ما سيكون عليه واقع الاستيطان في الضفة المحتلة بما فيها القدس؛ فإعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات سنة 1988، وثيقة استقلال فلسطين لم يؤدِ بعد إلى قيامها على أرض الواقع.

وعلى العكس من ذلك، تشير المعطيات الإحصائية إلى تضاعف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة المحتلة منذ توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993 بين منظمة التحرير و(إسرائيل)، فضلا عن حصار قطاع غزة.

وأقر رئيس السلطة محمود عباس –الذي كان يشغل منصب أمين سر المنظمة عند توقيع الاتفاق- أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر/ أيلول الماضي بأن دولة فلسطين لم يعد لها مكان، قائلا: "لا تزال (إسرائيل) مستمرة في التنكر لالتزاماتها تجاه عملية (السلام) وتصر على إفشالها، باستمرارها في بناء المستوطنات في كل مكان، لم يعد هناك مكان لدولة فلسطين".

و"الاستقلال" الذي أعلنه عرفات كان يبدو "حلما" لتجسيده يوما، لكنه "تباعد أكثر فأكثر" من وجهة نظر الخبير في الاستيطان خالد منصور، مشيرا إلى أن هذا الاستيطان تغول في الأراضي الفلسطينية وصعَّب إمكانية إقامة الدولة.

يقول منصور، لصحيفة "فلسطين"، بعد نحو عقدين من إعلان الاستقلال، ثم توقيع اتفاق أوسلو فإن "الأمور أسوأ مما كانت عليه"، مبينا أن الاستيطان تضاعف بعد هذا الاتفاق، وباتت إقامة الدولة الفلسطينية "حلم تنفيذه أصعب مما كان".

ويتحدث الخبير عن قرابة 750 ألف مستوطن في الضفة المحتلة بما فيها القدس المحتلة، وأن أكثر من 61% من الضفة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، عدا عن جدار الفصل العنصري، ونهب الأغوار التي تشكل ما نسبته 30% من أراضي الضفة، حيث تمارس قوات الاحتلال "التطهير العرقي" ضد الفلسطينيين.

ووفقًا لاتفاقية "أوسلو" الثانية، التي أعقبت الاتفاق الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال في 1993، تمَّ تقسيم الضفة المحتلة، إلى ثلاث مناطق، أولها "أ" التي كان يفترض أن تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة أمنيًا وإداريًا، وتمثل ما نسبته 18% من إجمالي مساحة الضفة الإجمالية.

وثاني هذه المناطق، ما تعرف بمناطق "ب" التي تقع فيها المسؤولية عن النظام العام على عاتق السلطة، وتسيطر فيها سلطات الاحتلال على الأمور الأمنية، وتمثل ما نسبته 21% من مساحة الضفة، وأخيرًا مناطق "ج" التي تقع تحت السيطرة الكاملة لحكومة الاحتلال، وتشكل 61% من المساحة الكلية للضفة.

وبحسب منصور، تستهدف قوات الاحتلال الأغوار وترمي لزيادة عدد المستوطنين بنحو 16 ألف مستوطن، وتقديم مئات ملايين الدولارات للمستوطنات القائمة.

وأقام الاحتلال الإسرائيلي في الضفة منذ 1967، 196 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو 100 بؤرة استيطانية عشوائية، ويسكن تلك المستوطنات ما يزيد عن ثلاثة أرباع مليون مستوطن على مساحة تقدر بـ196 كم2، بحسب مراقبين.

ويحذر منصور من "خطر ديمغرافي يهددنا بالضفة الغربية، فبعد مدة سيأتون (قوات الاحتلال) يقولون: هذه الأرض (الضفة) يقطنها يهود (مستوطنون) يشكلون الثلث، وعرب"، لافتا إلى أن سلطات الاحتلال ترمي لرفع عدد المستوطنين إلى مليون.

وتعمل سلطات الاحتلال على "شرعنة" الاستيطان، ومن ذلك سنها ما عُرف بقانون "تبييض المستوطنات" الذي أقره "الكنيست" الإسرائيلي في السادس من فبراير/شباط 2017، ويشكل خطوة في اتجاه ضم أجزاء من الضفة المحتلة.

ويؤكد منصور أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي "عمليا هم الذين قتلوا حل الدولتين. إنهم لا يريدون أن يحصل الفلسطينيون على أي حق؛ لذلك (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين) نتنياهو الذي كان معارضا لاتفاقيات أوسلو حين وقعت، بدأ لدى تسلمه الحكم بتدمير الإمكانات المادية لتطبيق الاتفاق، وهو الآن يواصل نهجه ويعلن صراحة أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية".

وكان عباس حذر في خطابه المذكور أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من تكريس نظام فصل عنصري "أبارتهايد" في فلسطين كذلك الذي كان سائدا في جنوب أفريقيا.

وبات التمييز العنصري الذي تطبقه سلطات الاحتلال على الفلسطينيين واقعا يوميا، من خلال تقديم جميع التسهيلات للمستوطنين، بما في ذلك توفير تراخيص البناء للمساكن والمصانع والمشاريع الاقتصادية والبنية التحتية من شبكات طرق وكهرباء ومياه، في الوقت الذي تمنع فيه الفلسطينيين أصحاب الأرض من التصرف بها، كما تصدر الأوامر العسكرية لمنعهم من استخدام غالبية أراضيهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس والأغوار والشواطئ الفلسطينية على البحر الميت.

رغم ذلك، يشدد منصور على صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، قائلا:" صحيح أن (إسرائيل) حققت تقدما كبيرا في مشروعها الصهيوني لكنها فشلت في ثنينا عن التمسك بحقوقنا".

وكان مجلس الأمن الدولي تبنى القرار 2334 لعام 2016م، الذي دعا إلى وقف الاستيطان الإسرائيلي، وأكد عدم شرعيته.

ويدعو منصور إلى بلورة خطة وأسلوب عمل لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، لافتا إلى أن سلطات الاحتلال تعمل بشكل حثيث على التوسع على حساب الشعب الفلسطيني، في ظل الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، ووجود "تهافت" عربي نحو (إسرائيل).

"شبه مستحيل"

ويتفق الخبير في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش، مع منصور على أن الاستيطان تضاعف خلال السنوات الماضية، بشكل يصعب معه إقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا.

ويقول حنتش، لصحيفة "فلسطين"، إن المشاريع الاستيطانية فصلت القدس المحتلة عن الضفة التي أصبحت ثلاثة أجزاء شمالي، وجنوبي، ومنطقة القدس، مضيفا: "عملية الاستيطان تزداد بشكل كبير جدا".

ويشير إلى تصريحات مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي وعلى رأسهم نتنياهو، بشأن مضاعفة الاستيطان، معتبرا أن إقامة الدولة الفلسطينية "أصبحت شبه مستحيل جراء ذلك".

ويبين ضرورة وجود ضغط على حكومة الاحتلال للانسحاب من الأراضي الفلسطينية، وترك المستوطنات، مشيرا إلى انسحاب فرنسا من مستعمراتها في الجزائر.

ويتابع: "نأمل أن يكون في فلسطين هذا النمط. إذا ما أُجبِرت (إسرائيل) على الرحيل ستكون هناك دولة فلسطينية".

وعن السبيل إلى ذلك، يشدد على أن (إسرائيل) لا تعرف إلا لغة واحدة هي القوة، مردفا: "لا نعول كثيرا على المجتمع الدولي".

وفي حين يلفت إلى خروقات دولة الاحتلال للقوانين الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة، يعرب عن أمله في أن تتخذ محكمة الجنايات الدولية –التي باتت فلسطين عضوا فيها منذ 2015- قرارا ضد الاستيطان الذي يشكل جريمة حرب.

وتبقى الآمال قائمة، كما التساؤلات عما إذا كان "إعلان الاستقلال" سيتحول يوما إلى واقع في مواجهة الاستيطان الذي يمثل حربا على مشروع إقامة الدولة الفلسطينية؟