تنشط طواقم محلية ومجتمعية، برفقة آليات هندسية، على مدار الساعة في تسوية آلاف الدونمات والمساحات الأرضية داخل مدينة الزهراء وسط قطاع غزة، لإنشاء مخيمات إيواء لسكانها النازحين وتحويلها إلى منطقة قابلة للحياة، بعدما دمّرتها حرب الإبادة الإسرائيلية.
وتبدو هذه الخطوة، التي جاءت بعد عامين من الإبادة الجماعية، بارقة أمل لسكان المدينة الذين بدأت رحلة نزوحهم منذ الأيام الأولى للحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتُعد الزهراء أول مدينة سكنية دمّرتها الطائرات الحربية والمدفعية الإسرائيلية بالكامل، إذ سوّت أبراجها السكنية وفللها الجميلة بالأرض، قبل التوغّل البري لجيش الاحتلال داخل غزة وإنشاء ما عُرف سابقًا بـ"محور نيتساريم".
ويعود إنشاء المدينة إلى عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1998، في محاولة فلسطينية لوقف الزحف الاستيطاني لمستوطنة "نيتساريم"، التي فككها الاحتلال وانسحب منها المستوطنون عام 2005 بفعل عمليات المقاومة الفلسطينية.
صمود وإصرار
يؤكد رئيس بلدية الزهراء د. نضال نصار أن قرار إعادة الحياة إلى المدينة المدمّرة كليًا يشكّل تحديًا وطنيًا وإصرارًا فلسطينيًا على التمسك بالأرض والحقوق المعيشية والإنسانية.
وأوضح نصار أن قرار الإعمار جاء بتوافق جماعي، وبمشاركة لجان الأحياء والمجالس المحلية والأطر الشبابية، للبدء بخطة البلدية لتعافي المدينة التي كانت تضم أبراجًا سكنية ومجمعات تعليمية وحكومية ومرافق خدمية متعددة.
وبيّن أن خطة البلدية تنقسم إلى ثلاث مراحل مترابطة: "مرحلة الإيواء: تشمل توفير المأوى الآمن للعائلات المتضررة وتنظيم عودتهم التدريجية إلى المدينة، ومرحلة الإعمار: تركز على إعادة تأهيل البنية التحتية والمرافق العامة والخدمات الأساسية، ومرحلة التنمية المستدامة والتمكين: تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتمكين فئات المجتمع، خصوصًا الشباب.
وأشار نصار لصحيفة "فلسطين" إلى أن تطبيق الخطة مرهون باستمرار وقف الحرب على غزة وفتح المعابر أمام دخول مواد الإعمار ومستلزمات الحياة الأساسية.
وقال: "العودة إلى الحياة في المدينة ليست قرارًا سهلاً، إنها معركة لمواجهة الدمار بالحياة، ومواجهة الركام بالأمل. بسواعد الجميع سنعيد الحياة إلى هذه المدينة الواعدة."
دمار شامل
وبحسب تقديرات البلدية، بلغت نسبة الدمار في المدينة أكثر من 97%، وشمل ذلك تدمير: 50 برجًا سكنيًا، وعشرات الفلل السكنية، ومقر البلدية، وآبار المياه ومحطات التحلية، و3 جامعات و6 مدارس (بينها مدرسة للمكفوفين وروضة للأطفال)، ومكتبة المدينة، ومسجدين، دار رعاية مسنين، وعيادة حكومية، ومقر الدفاع المدني، وقصر العدل، وموقع تل السكن الأثري، وبنك فلسطين، والمستشفى التركي الوحيد المتخصص في علاج السرطان بقطاع غزة.
تبدأ المرحلة الأولى من الخطة، وهي مرحلة التعافي، بفتح الطرقات الرئيسية في المدينة من الشرق إلى الغرب وربطها بالمناطق والأحياء المحيطة.
وأوضح نصار أن البلدية شرعت في إقامة مخيم الإيواء الأول في منطقة دار مصر داخل مدينة الزهراء، ليستوعب أكثر من 800 أسرة نازحة ضمن ظروف معيشية تراعي احتياجاتهم الإنسانية، إلى جانب خطط توسعية مستقبلية.
كما ستشرف البلدية على إنشاء ثلاثة مخيمات إيواء أخرى، من بينها مخيم لسكان "مدينة الأمل" في الزهراء، يستوعب نحو 250 أسرة نازحة، ومخيم "الإيواء المتفرق" لأصحاب المنازل والأراضي الخاصة.
وبيّن نصار أن الهدف من هذه المخيمات لا يقتصر على الإيواء فقط، بل يهدف إلى دمج السكان مجددًا في إطار الشراكة المجتمعية وتنشيط الأنشطة الاجتماعية والإنسانية، للخروج تدريجيًا من مرحلة الكارثة.
ودعا مؤسسات المجتمع المدني، والأطر الشبابية، والفرق التطوعية، والمبادرين إلى التعاون مع البلدية في تنفيذ مبادرات مجتمعية تسهم في دعم جهود التعافي وإعادة الحياة إلى المدينة.
الزراعة والحياة
وللأراضي الزراعية نصيب من خطة الإعمار، إذ تعمل طواقم البلدية على تسهيل احتياجات المزارعين في الأراضي الواقعة غرب المدينة، في محاولة لإعادة النشاط الزراعي واستعادة المناظر الخضراء بدلًا من الركام.
وحثّ نصار المؤسسات والجمعيات التعاونية الزراعية على تمكين المزارعين ودعمهم لإعادة المدينة إلى عهدها ودورها في الإنتاج المحلي.
وأضاف: "صحيح أن المهمة قاسية والعبء كبير، لكننا سنحاول جميعًا تفكيك هذه الأزمة وصولًا إلى برّ الأمان."
ودعا رئيس البلدية المجتمع الدولي إلى دعم البلديات المحلية في غزة وتمكينها من استعادة قدراتها التشغيلية وتقديم الخدمات الأساسية للمدنيين الناجين من الحرب.
مدينة منكوبة
وسبق أن أعلنت ثلاث بلديات مجاورة — الزهراء والمغراقة ووادي غزة — أن مناطقها باتت "منكوبة وغير قابلة للحياة" جراء الدمار الهائل الذي خلّفته آلة العدوان الإسرائيلي، مؤكدين أن الإبادة فرضت واقعًا جديدًا يتطلب حلولًا فورية واستراتيجيات طويلة الأمد.
وتلك المناطق دمّرها جيش الاحتلال خلال حرب الإبادة لتأمين قواته العسكرية فيما عُرف سابقًا بـ"محور نيتساريم"، الذي جعلته المقاومة الفلسطينية هدفًا رئيسيًا لصواريخها وعملياتها خلال الحرب.

