قال الباحث والكاتب في الشأنين العسكري والأمني رامي أبو زبيدة إن ترسيم جيش الاحتلال الإسرائيلي لما يُعرف بـ"الخط الأصفر" داخل قطاع غزة لا يمكن اعتباره مجرد إجراء ميداني مؤقت أو فني، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا يعكس نية إسرائيل تكريس احتلال جزئي طويل الأمد.
وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، انسحب الجيش الإسرائيلي من عمق محافظات قطاع غزة إلى ما يعرف "بالخط الأصفر"، الذي تنص عليه المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع بين حركة حماس وحكومة الاحتلال الإسرائيلي بوساطة قطرية مصرية تركية أميركية.
وبحسب الخرائط التي نشرت لخطوط الانسحاب، فإن جيش الاحتلال سيبقى مسيطرا على نحو 50% من مساحة قطاع غزة لحين تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.
وبناء على "الخط الأصفر" لم يستطع سكان كل من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والمناطق الشرقية لمحافظة خان يونس، وشرق مدينة غزة، وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون شمالي القطاع من العودة إلى منازلهم، ومع ذلك يفرض الاحتلال سيطرته النارية على مناطق أخرى تتجاوز خطوط الانسحاب، في خرق واضح للاتفاق.
وتتعدد اختراقات قوات الاحتلال للخط الأصفر، فقد أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش سيضع علامات واضحة على طول "الخط الأصفر" في قطاع غزة "لتكون بمثابة تحذير لكل من حماس وسكان غزة، بأن أي انتهاك أو محاولة لعبور الخط سيقابل بالنار" على حد قوله.
وعلى خلاف حديث كاتس، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيين اثنين وأصابت ثالثا، الاثنين، في منطقة الشعف بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، أثناء وجودهم في المنطقة الواقعة خارج إطار الخط الأصفر، في اختراق واضح لخطوط الانسحاب.
وأوضح أبو زبيدة، في تحليل له عبر منصة "تليجرام"، أن هذا الخط يُعد بمثابة ترميز لمرحلة جديدة من السيطرة الميدانية، تهدف من خلالها إسرائيل إلى فرض واقع أمني جديد يتيح لها التحكم في مساحة تتجاوز نصف القطاع، ضمن ما تصفه بـ"الفصل الأمني"، وهو شكل من أشكال التموضع العسكري الدائم تحت غطاء “الإدارة الأمنية”.
وأشار إلى أن الخط الأصفر يشبه، في مضمونه ودلالاته، سياسات الاحتلال السابقة في الضفة الغربية من خلال الجدار الفاصل، أو في جنوب لبنان قبل انسحابه عام 2000، أي تثبيت واقع ميداني على الأرض قبل الوصول إلى أي تسوية سياسية.
وبيّن أبو زبيدة أن إسرائيل تسعى من خلال هذا الخط إلى تحقيق جملة من الأهداف، أبرزها ضمان حرية الحركة العسكرية داخل العمق الغزي، بما يسمح لها بتنفيذ ضربات وتوغلات محدودة دون الحاجة لاجتياح شامل، والسيطرة على المناطق المفتوحة والحدودية وتحويلها إلى نطاق مراقبة وتجسس دائم يمنع إعادة بناء القدرات العسكرية للمقاومة.
كذلك الإبقاء على المقاومة تحت ضغط ميداني ونفسي متواصل من خلال سياسة “الوجود العسكري المرئي” التي تُعيق إعادة تنظيم صفوفها، منع عودة السكان إلى المناطق المدمّرة المحاذية للخط، ما يفضي إلى تغيير ديموغرافي تدريجي يخلق منطقة عازلة خالية من الحياة المدنية.
وخلص بالقول إن "الخط الأصفر" ليس علامة على الانسحاب الإسرائيلي من غزة، بل هو “خط إدارة وسيطرة” يُمهّد لمرحلة من الاحتلال الهادئ طويل الأمد، هدفها إعادة رسم خريطة القطاع بما يخدم الرؤية الأمنية الإسرائيلية، بعيدًا عن أي حلول سياسية حقيقية.