يحار المرء في توصيف الموسم الحالي، أموسم قطف ثمار الزيتون هو أم موسم التمدد والتغول الاستيطاني؟، فكل من يقطف ثمار الزيتون يتوجع ويتحسر من كثرة ما يرى من على قمم الجبال والتلال في الضفة الغربية عمليات البناء الاستيطاني، التي لا تتوقف على مدار الساعة وفي سباق مع الزمن.
الاستيطان الآن نجح بتمزيق الوحدة الجغرافية والإقليمية والسكانية، لمختلف مناطق الضفة الغربية، وحولها إلى "كانتونات" معزولة، ونجح بتدمير أي إمكانية لوجود عمق تنموي وأمني وسكاني فلسطيني.
منذ 24 عامًا قبل "أوسلو" كان عدد المستوطنين 100 ألف مستوطن، والآن صاروا قرابة 800 ألف مستوطن، إذن النتيجة المنطقية أن أكبر رابح من "أوسلو" هو الاستيطان، لأن الدولة الفلسطينية لم تقم كما وعدونا خلال خمس سنوات من عمر "أوسلو"، ولم تتحول الضفة إلى سنغافورة، وضحكوا علينا.
موضوع الـ(غيتو) والعزل والجدار والاستيطان هو من صميم الثقافة الصهيونية، يدرك ذلك الدارس لأدبيات الحركة الصهيونية، وهذا يفسر إصرار المستوطنين على عزل أنفسهم خلف جدران وكاميرات وكلاب حراسة وأبراج للجيش.
المستهدف من الاستيطان هو المزارع الفقير والبسيط، وهو مستهدف بالاقتلاع كشجرة زيتونه التي يرويها بدمه وعرقه، وهذا كله بسبب الاستيطان، الذي يكتفى بتحديه ومواجهته منذ 24 عامًا بالمسيرات والمقاومة الشعبية السلمية، "وكفى الله المؤمنين شر القتال".
المستوطنون صعدوا من اعتداءاتهم على مزارعي الضفة الغربية مع بداية الموسم الحالي لقطف ثمار الزيتون، وهم لا يتوانون عن المجاهرة بـ"بلطجتهم وزعرنتهم"، وتوسعة مستوطناتهم، بتجريف ونهب المزيد من الأراضي، وحرق وتقطيع أشجار الزيتون بعد سرقة ثمارها، وكل ذلك تحت سمع وبصر جيش الاحتلال، الذي يتدخل فقط في حالة تصدي المزارعين الفلسطينيين للمستوطنين، ليعاقب الفلسطينيين.
المستوطنون المستجلبون من مختلف أصقاع الأرض يشكلون شوكة في حلق الدولة الفلسطينية المنشودة، ويحولون حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق في كل الأوقات، فالاحتلال ومواصلة الاستيطان _خاصة في مناطق "ج" (C)_ بنظرهم مريح وغير مكلف ما دام لا يوجد رد عليه، وما دامت حالة الاسترخاء في الضفة مرضية لهم، ويدعون أن تطول وتطول حتى تكتمل مخططاتهم.
من أراد أن يجد ويجتهد ويعمل ويتحدى الاستيطان؛ توجد طرق ووسائل كثيرة للضغط على المستوطنين، من بينها إعادة قراءة وتقويم التجربة السابقة من المقاومة الشعبية السلمية التي استمرت كثيرًا دون جدوى، ولم تنجح بمنع أو طرد، ولو مستوطن واحد من أي بقعة في الضفة الغربية.
المنطق يقول إنه يجب عدم ترك أية وسيلة ضغط على الاحتلال، على أن نجيد استخدامها في الوقت والزمان المناسبين، وحولها توافق وطني، ولا يصح أن يغني كل على ليلاه، فيد واحدة لا تصفق.
ما يقصر عمر الكيان العبري هو جعله يدفع غاليًا فاتورة مواصلة احتلاله واستيطانه، وهو ما يستدعي العمل فلسطينيًّا كالجسد الواحد، ضمن برنامج وطني موحد، يراعي الظروف الإقليمية المحيطة ويطوعها لمصلحته بجعل القضية الفلسطينية مركزية لا ثانوية.
ومن أراد العمل بجدية واحتراف؛ فله من دروس التاريخ في مواجهة الشعوب للاحتلال والاستعمار والظلم ما يجعله يختار الأنسب منها ضمن خصوصية الحالة الفلسطينية، فشتان ما بين من يرضى الخنوع والاستسلام، ومن يعد ويتجهز ويعزز قواه الحية، وينطلق باقتدار للبحث عن مكان له في القمة.