فلسطين أون لاين

عامان من النُّزوح القسريِّ... مأساة إنسانيَّة مستمرَّة في غزَّة

...
عامان من النُّزوح القسريِّ... مأساة إنسانيَّة مستمرَّة في غزَّة
غزة/ جمال محمد:

للعام الثالث على التوالي، تتجدد معاناة مئات الآلاف من النازحين قسرًا في قطاع غزة، يعيشون بلا مأوى آمن، بعد تدمير الاحتلال بيوتهم خلال الحرب المستمرة، وسط أوضاع إنسانية كارثية تتفاقم مع دخول فصل الشتاء، وانعدام أدنى مقومات الحياة.

فمياه الأمطار التي يفرح بها الناس عادة، أصبحت كابوسًا لسكان الخيام، فهي تُغرق مأواهم الهش المصنوع من القماش والنايلون، وتفسد ما تبقى لهم من متاع، وتعرض الأطفال والنساء لخطر البرد والأمراض.

خيام مهترئة

وفي شاطئ غزة، يعيش محمد عابد مع أسرته المكونة من سبعة أفراد في خيمة مهترئة منذ تهدم منزله في معسكر الشاطئ جراء القصف الإسرائيلي.

ويتنقل من محافظة إلى أخرى بحثًا عن مكان آمن، ولكن دون جدوى، ويقول لصحيفة "فلسطين": "في كل مرة ننصب خيمتنا، نضطر للهروب مجددًا تحت وقع القصف أو بسبب الأمطار التي تغمر كل شيء".

ويضيف: "نزحنا منذ بداية الحرب عام 2023، وبعد توقف إطلاق النار مؤقتًا في يناير 2025، عدنا إلى منزلنا المدمّر جزئيًا، لكن سرعان ما خرق الاحتلال الهدنة في مارس، فانهارت كل الآمال، واضطررنا للعودة إلى الخيام".

حاول عابد، تحسين مأواه بشراء قطع نايلون وشوادر، لكن الخيمة لم تصمد أمام الأمطار ودرجات الحرارة المرتفعة، فاضطر للنزوح مجددًا نحو جنوب القطاع، ليستقر أخيرًا على شاطئ البحر، حيث لا مأوى يحميه سوى السماء.

ويحذر عابد، من كارثة إنسانية في الشتاء القادم، قائلًا: "أخشى على أطفالي من الغرق أو الموت بردًا، متسائلًا: ما ذنبهم أن يناموا على الأرض تحت المطر؟، أين العالم مما يحدث لنا؟".

"نخشى المطر"

وتقول آية خضر، وهي نازحة تبلغ من العمر 30 عامًا، تعيش في خيمة مع زوجها وأطفالها: "أصبحنا نخشى المطر أكثر من القصف، لأننا نعرف أن الخيمة لا تصمد أمام الماء، زوجي لا ينام ليلًا، يسهر ليشد الخيمة ويحاول أن يحمينا من البرد".

وتضيف خضر لصحيفة "فلسطين": "كل ليلة نشعر بالخوف، ليس فقط من القصف، بل من الانهيار المفاجئ للخيمة، ومن الأمراض التي بدأت تنتشر مع مياه الأمطار الراكدة ومياه الصرف الصحي المنتشرة حولنا".

وفي العام الماضي، أعلنت وزارة الصحة في غزة، عن استشهاد عدد من الأطفال بسبب البرد القارس، في ظل غياب وسائل التدفئة، وافتقار الخيام إلى أي عزل حراري، ما يُنذر بموسم شتاء آخر مأساوي.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن أمطارًا غزيرة هطلت في نوفمبر من العام الماضي، تسببت بفيضانات في مناطق النزوح، خاصة في خان يونس ومدينة غزة، وأدت إلى تلف خيام مئات العائلات وممتلكاتهم.

صمت دولي

ويؤكد النازح محمد أبو العمرين، الذي يعيش للعام الثالث على التوالي، بأن تقصير المؤسسات الدولية في توفير الإيواء والغذاء والماء يفاقم من معاناة النازحين.

ويضيف أبو العمرين لصحيفة "فلسطين": " أن المجتمع الدولي يتحدث عن الإنسانية، لكن لم يقدم لنا شيئًا، لا نملك حتى خيامًا تقي من البرد، أو مياه نظيفة نشربها".

ويطالب أبو العمرين، بتدخل عاجل لتحسين ظروف مراكز الإيواء، وتنظيم إدارتها من قبل الجهات المحلية، لاحتواء الأعداد الكبيرة من النازحين، ومنع تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل أكبر.

وتُعد أزمة النزوح في غزة، من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم حاليًا، فإلى جانب الحرب المستمرة، يواصل الحصار الإسرائيلي منع دخول المواد الأساسية، بما في ذلك مستلزمات التدفئة والخيام والمنازل المتنقلة.

كما يُعاني السكان من غياب الوقود، ما يجعلهم عاجزين عن توفير أي وسيلة للتدفئة في الليالي الباردة، في وقت تقيم فيه آلاف العائلات في العراء، أو في مدارس وملاعب عامة دون أية خصوصية أو حماية.

وفي هذا السياق، يعيش أكثر من مليون فلسطيني ظروفًا غير إنسانية بكل معنى الكلمة، لا مأوى، لا غذاء كافٍ، لا مياه صالحة، ولا دواء، في الوقت الذي ترتفع فيه حصيلة الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023 إلى أكثر من 59,029 شهيدًا و142,135 جريحًا، بحسب وزارة الصحة.

ومع اقتراب فصل الشتاء، تتجدد الدعوات للمنظمات الإنسانية، وللمجتمع الدولي، وللجهات المحلية، للقيام بمسؤولياتهم. فحياة مئات الآلاف من الأطفال والنساء على المحك.

فالمطلوب اليوم ليس فقط وقف الحرب، بل التحرك الفوري لإغاثة السكان، وتوفير مراكز إيواء آمنة، وخدمات أساسية تُعيد للناس شيئًا من الكرامة والحياة.

 

المصدر / فلسطين أون لاين