قائمة الموقع

تفجير الأحياء في غزَّة... هروب إسرائيليّ من الاستنزاف إلى "الحسم بالنَّار"

2025-09-25T16:29:00+03:00
تفجير الأحياء في غزَّة... هروب إسرائيليّ من الاستنزاف إلى "الحسم بالنَّار"
فلسطين أون لاين

في الوقت الذي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة عبر تفجير المربعات السكنية في قطاع غزة بالروبوتات المفخخة، تتصاعد التساؤلات بشأن خلفيات هذا السلوك العسكري وأبعاده الاستراتيجية. فهل تعكس هذه العمليات خيارًا تكتيكيًا لتمهيد الطريق أمام القوات البرية أم أنها مؤشر على أزمة أعمق يعيشها جيش الاحتلال بعد استنزاف وحداته الهندسية والبشرية في معارك المدن؟

الخبير العسكري والاستراتيجي، العقيد المتقاعد نضال أبو زيد، رأى أن اعتماد جيش الاحتلال على الروبوتات المفخخة لتفجير المربعات السكنية يعكس حالة استنزاف خطيرة في وحداته الهندسية والبشرية، ويكشف في الوقت ذاته عن فقدان إرادة القتال لدى جنوده، مؤكدًا أن المقاومة نجحت في فرض تكتيكات استنزاف معقدة جعلت الاحتلال يتراجع إلى الاعتماد على الكتلة النارية والتكنولوجيا بدل الحسم البري.

وقال أبو زيد في حديث لصحيفة "فلسطين"، إن الاحتلال فقد القدرة على التقدير الاستخباري الدقيق لإمكانات المقاومة، فلجأ إلى استخدام مركبات مفخخة من نوع "M113" محملة بـ 6 إلى 7 أطنان من المتفجرات بدلًا من وحدات الهندسة.

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قال إن جيش الاحتلال يستخدم بشكل يومي أكثر من 17 عربة مفخخة داخل مدينة غزة، تعادل قوة انفجار الواحدة منها هزة أرضية بقوة 3.7 درجات على مقياس ريختر.

وأوضح المرصد، الذي يتخذ من جنيف مقرا رئيسيا، أن الاحتلال فجّر خلال الأسبوع الأخير نحو 120 عربة محمّلة بما يقارب 840 طنا من المتفجرات بين الأحياء السكنية في مدينة غزة، معتبرا أن ذلك يشكل "تصعيدا خطيرا لجريمة الإبادة الجمعية المستمرة منذ 24 شهرا ضد الفلسطينيين".

استنزاف وتآكل

ووفق أبو زيد: فإن "الاحتلال كان عادة يدفع بوحدات الهندسة، وعلى رأسها وحدة "يهلوم" المتخصصة بالتفجير، قبل أي عملية برية، لكن الاستعاضة عنها بالروبوتات مؤشر واضح على استنزاف هذه الوحدات وتآكل آلياتها ميكانيكيًا وبشريًا".

وأشار الخبير العسكري إلى أن المقاومة تركز عملياتها في الأطراف، مثل جباليا والزيتون والمغراقة ورفح، بينما يسعى الاحتلال للوصول إلى مركز غزة. وقال: "هذا التكتيك يعني عسكريًا استهداف الخطوط الخلفية للقوات المتقدمة وقطع إمدادها اللوجستي، وهو ما يفسر التقدم البطيء رغم مرور أكثر من أسبوع على إعلان العملية البرية في مدينة غزة".

وضرب مثالًا بعملية المقاومة في حي الجنينة برفح قبل أيام التي أوقعت أربعة قتلى من وحدة "ديكل"، معتبرًا أن هذا دليل على اضطرار الاحتلال للزج بمتدربين بدلًا من قواته النظامية نتيجة الاستنزاف البشري.

وفي 16 سبتمبر/أيلول الجاري، قال جيش الاحتلال إنه شرع في عملية برية واسعة، بمشاركة قوات نظامية واحتياطية من الفرق 98 و162 و36.

الاحتلال يسيطر بالنار لا بالقوات

وبيّن أبو زيد أن الاحتلال يحاول الاستطلاع بالقوة لإجبار المقاومة على كشف قدراتها، لكنه يتجنب الدخول العميق خشية الكمائن. وأضاف: "المقاومة تمارس الكمون التكتيكي، فهي تستطلع وترصد وتنتظر هدف الفرصة لإيقاع خسائر، وبهذا تستبدل السيطرة على الأرض باستنزاف القوات".

وأكد أن الاحتلال يعتمد على الكتلة النارية أكثر من اعتماده على الكتلة البشرية، "فهو يسيطر بالنار، لكن لا يسيطر بالقوات"، مشيرًا إلى أن إرادة القتال لدى الجنود تراجعت بشكل خطير، "ويظهر ذلك في عجزهم عن رد الفعل أثناء استهداف دباباتهم وناقلاتهم بالعبوات".

وفي قراءته الاستراتيجية، اعتبر أبو زيد أن هذه المواجهات أعادت اختبار العقيدة العسكرية الإسرائيلية. وقال: "منذ 2015 اعتمد جيش الاحتلال على استراتيجية جدعون، ثم تنوفا في 2020، وكلاهما راهن على التكنولوجيا أكثر من العنصر البشري، لكن بعد 7 أكتوبر أعاد الجيش النظر، وحاول الدمج بين الاثنين، إلا أنه وقع في خطأ تكتيكي بدخوله غزة بقوات تقليدية في مواجهة مقاومة غير تقليدية، فكانت النتيجة خسائر فادحة واستنزاف واسع".

وأشار إلى أن جيش الاحتلال بات يعتمد أكثر على الوسائل التكنولوجية كالروبوتات المتفجرة والطائرات المسيّرة، إضافة إلى استخبارات وحدة 8200 الفنية، على حساب الاستخبارات البشرية، وهو ما يعكس أزمة ثقة في العنصر البشري.

وختم أبو زيد بالقول: "المسار العسكري في غزة مسدود، فلا الجو يحسم المعركة ولا النيران تمسك الأرض. الاحتلال يخشى إدخال قوات المشاة، والمقاومة بدورها تملك المرونة والقدرة على مفاجأته. لذلك، لا حل أمام (إسرائيل) سوى المفاوضات، فيما المبادرات السياسية الجارية ليست إلا محاولة لإنقاذ ما تبقى من جيش الاحتلال قبل الانزلاق أكثر في معارك غزة المدينة"، وفق تقديره.

وفي 8 أغسطس/آب الماضي أقرت حكومة الاحتلال خطة طرحها رئيسها بنيامين نتنياهو لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيا، بدءا بمدينة غزة، التي يسكنها نحو مليون فلسطيني.

وبدأ جيش الاحتلال في 11 أغسطس/آب، الهجوم على المدينة انطلاقا من حي الزيتون، في عملية أطلق عليها لاحقا عربات جدعون 2، وتخلل الهجوم نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري.

اخبار ذات صلة