في مشهد يختزل معاناة شعب بأكمله، وصل آلاف النازحين من مدينة غزة إلى جنوب ووسط القطاع هربًا من القصف العنيف والدمار الذي حوّل بيوتهم إلى أنقاض، ليصطدموا هناك بواقع أكثر قسوة، بلا مأوى أو غذاء أو دواء.
وأكد عدد من النازحين أن خروجهم من مدينة غزة لم يكن خيارًا، بل فرضته آلة العدوان الإسرائيلي التي لم تترك لهم ملجأً. عائلات بأكملها سارت على الأقدام، أو استقلت شاحنات مقابل مبالغ باهظة، فقط للوصول إلى مكان يُفترض أن يكون آمنًا، لكنه في الحقيقة لم يكن مهيأً لاستقبالهم.
بمجرد وصول عائلة وادي إلى جنوب القطاع، اصطدمت بالواقع: لا خدمات صحية، ولا مياه، ولا كهرباء، ولا حتى مأوى. افترشت العائلة الشوارع، أو لجأت إلى مبانٍ مدمرة وأراضٍ خالية، وسط درجات حرارة مرتفعة وظروف معيشية بالغة القسوة.
وقال محمد وادي لصحيفة فلسطين: "ظننا أننا سنجد مستشفيات أو مراكز إيواء أو مساعدات غذائية، لكننا لم نجد سوى الانتظار والازدحام والمرض والجوع."
ويضيف: "الطريق من مدينة غزة إلى خان يونس استغرق يومًا ونصف، ودفعنا 8 آلاف شيكل مواصلات، ورغم ذلك لم نجد مكانًا آدميًا للعيش."
أما النازح عمر حجازي فأكد غياب الخدمات بشكل كامل، إلى جانب استمرار القصف في جنوبي القطاع. وقال لصحيفة فلسطين: "ما عشناه خلّف آثارًا نفسية مدمرة على الأطفال والنساء، في ظل انعدام الرعاية الطبية والدعم النفسي." وأوضح أن هناك انهيارًا شبه كامل في النظام الصحي، إضافة إلى غياب المياه الصالحة للشرب أو الاستخدام الآدمي.
من جانبه، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي أن الجرائم الإسرائيلية أدت إلى تهجير قرابة 500 ألف مواطن إلى الشوارع والميادين العامة، من بينهم نحو 400 ألف نزحوا جنوبًا في ظروف قاسية، معظمهم سيرًا على الأقدام وبتكاليف نقل تصل إلى ألف دولار للأسرة الواحدة.
وأوضح أنّ انعدام مراكز الإيواء والخيام جعل هؤلاء يعيشون في أوضاع مأساوية داخل ما تسميه دولة الاحتلال “المناطق الإنسانية”، التي لا تتجاوز 12% من مساحة القطاع، وقد تحوّلت إلى معسكرات اعتقال مكتظة تفتقر إلى الماء والغذاء والدواء والمأوى، في ظل استمرار القصف والمجازر حتى داخل هذه المناطق، ما دفع مئات الأسر للعودة إلى مدينة غزة رغم المخاطر.
وأضاف عبد العاطي: "خلال حرب الإبادة الجماعية، قطع الاحتلال الاتصالات والإنترنت بشكل متكرر وممنهج، كان آخرها يوم 17 سبتمبر 2025 عبر استهداف محطات وأبراج البث، في سياسة منظمة لعزل غزة عن العالم، وحجب المعلومات حول الجرائم، وحرمان المدنيين من طلب الإسعاف، وعرقلة الإغاثة، وتقويض الخدمات الصحية والتعليمية، ومنع التوثيق الإعلامي، وهو ما يشكل جرائم حرب وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي."
وأشار إلى أن قوات الاحتلال تواصل منع إدخال المساعدات الإنسانية والطبية والوقود، وتستخدم سياسات التجويع عبر إدخال كميات لا تتجاوز 15% من الاحتياجات الفعلية، بالتوازي مع استهداف المدنيين المنتظرين للمساعدات أمام مراكز التوزيع التابعة لما تُسمى “مؤسسة غزة الإنسانية” الأمريكية – الإسرائيلية وأمام المعابر.
وأكد أنه رغم إعلان الأمم المتحدة أن غزة دخلت مرحلة المجاعة والأوبئة والانهيار الكامل للنظام الصحي، يواصل الاحتلال هذه السياسات الاستعمارية الممنهجة بهدف جعل غزة مكانًا غير صالح للحياة وتكريس مخططات التهجير القسري الدائم، في تكرار لنكبة جديدة.
ولفت إلى أن تصريحات الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي وصف غزة بأنها “ثروة عقارية”، تكشف بوضوح جوهر المشروع الاستيطاني الاستعماري المتكامل مع الشراكة الأمريكية.

