فلسطين أون لاين

"كمين جباليا".. نموذج نوعي فرضته "القسام" لاستنزاف قوات الاحتلال

...
"كمين جباليا".. نموذج نوعي فرضته "القسام" لاستنزاف قوات الاحتلال
غزة/ محمد الأيوبي

في مشهد جمع بين الجرأة الفردية والدلالة الاستراتيجية، نفذت كتائب عز الدين القسام عملية نوعية في جباليا شمالي قطاع غزة تمكن خلالها أحد مقاتليها من إصابة آمر دبابة إسرائيلية واعتلائها قبل أن يلقي عبوة ناسفة داخلها، ما أسفر عن مقتل 4 من طاقمها.

العملية التي اعتبرها خبراء عسكريون عملاً ليس معزولاً بل نموذجاً قابلاً للتكرار في ميادين أخرى، كشفت عن قدرة المقاومة على استنزاف ألوية النخبة الإسرائيلية في مواقع ارتكازها، وأكدت أن الإرادة والتكتيك قادرة على اختراق أحدث منظومات الحماية.

وكانت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بثت الخميس الماضي، مشاهد من عملية استهداف دبابة "ميركفاه" إسرائيلية ووضع عبوة العمل الفدائي داخل قمرة القيادة وسط جباليا، شمال قطاع غزة، حيث اعترف الاحتلال حينها بمقتل 4 جنود.

وضمن سلسلة عمليات "عصا موسى"، اعتلى مقاوم في القسام، دبابة للاحتلال من نوع "ميركفاه"، ووضع عبوة العمل الفدائي داخل قمرة القيادة، وذلك في يوم الاثنين الموافق 8/9/2025.

كما رصدت كتائب القسام، تفجير الدبابة والدخان المتصاعد جراء الانفجار الذي أسقط أربعة جنود في جيش الاحتلال قتلى كانوا داخل الدبابة التي احترقت.  وأكدت القسام في نهاية الفيديو، أنها "كما كل مرة، ستعيد الكرة".

استنزاف إسرائيلي

الخبير العسكري العقيد المتقاعد نضال أبو زيد يرى أن عنوان المقطع "سنُعيد الكرة" لم يكن عفوياً، بل يعكس إصرار المقاومة على جعل هذه العمليات نموذجاً قابلاً للتكرار.

ويقول إن "المعنى المباشر هو أن المقاومة لن تكتفي بعملية واحدة، بل ستواصل تكييف تكتيكاتها بما يضمن استنزاف الاحتلال وضربه في مراكز ثقله".

ويشرح أبو زيد لـ "فلسطين أون لاين"، أن اختيار جباليا لم يكن اعتباطياً، فهي نقطة ارتكاز تتوزع منها قوات الاحتلال غرباً نحو منطقة أبو اسكندر وحي الشيخ الرضوان، وجنوباً باتجاه شارع الجلاء ومثلث الاتصالات وصولاً إلى شارع ثمانية حيث تتمركز فرقة 99. "استهداف هذه النقطة يعني عملياً ضرب عصب القوات الإسرائيلية في الشمال"، يقول أبو زيد، مضيفاً أن العملية طالت اللواء 401 التابع للفرقة 162 المدرعة، وهو رأس الحربة في المعركة، ما يضاعف من أهميتها العسكرية.

ويشير الخبير العسكري إلى أن المقاومة باتت تركز بشكل ملحوظ على استهداف الآليات، لوعيها بأن جيش الاحتلال يعاني من "تآكل ميكانيكي" في معداته الثقيلة، وأن نقاط ضعفه تكمن داخل دباباته وناقلاته. ويضيف: "حين توضع عبوة داخل دبابة تحمل عادة ثمانية جنود، فإن الخسائر تتجاوز غالباً ما يعلنه الاحتلال، إذ أن الإعلان عن أربعة قتلى لا يعني أن العدد لم يكن أكبر".

في تقديره، فإن المقاومة تسعى إلى استنزاف القوات المهاجمة بعمليات انقضاضية خاطفة بدلاً من الدخول في اشتباك مباشر أو حاسم، وهو خيار عسكري تفرضه موازين القوى، لكنه أثبت فعاليته. "الكمون التكتيكي" هو الوصف الذي يستخدمه "أبو زيد" لهذه الاستراتيجية، التي تقوم على الانتظار ثم الضرب في اللحظة المناسبة، تماماً كما حدث في جباليا وقبلها في حي الزيتون.

أما في ما يتعلق بالعملية الإسرائيلية الراهنة المسماة "عربات جدعون 2"، فيرى أبو زيد أنها لا تختلف كثيراً عن سابقتها "عربات جدعون 1"، من حيث حجم القوات والكتلة النارية، لكنها تصطدم اليوم بواقع أكثر تعقيداً: ارتفاع وتيرة الاستنزاف في الجنود والآليات، وعدم قدرة الجيش على التقدم نحو مراحل أعمق في قلب غزة.

ويلخص أبو زيد الأمر قائلاً: "في كل الأعراف العسكرية، الحرب ليست غاية بحد ذاتها بل وسيلة لتحقيق أهداف سياسية. وبعد أكثر من 700 يوم، لم يستطع الاحتلال أن يترجم عملياته إلى مكاسب سياسية. هذا هو الفشل بعينه". ويضيف أن إدراك هذه الحقيقة بات واضحاً حتى لدى قادة جيش الاحتلال، الذين يدعوا بعضهم للعودة إلى المسار الدبلوماسي بعدما أثبتت القوة العسكرية عجزها عن تحقيق ما وعد به السياسيون.

عملية استثنائية

من جانبه، الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري وصف عملية جباليا بأنها "نوعية واستثنائية"، مشيراً إلى أن تفاصيلها تكشف حجم الجرأة والإقدام. وقال إن المشاهد أظهرت إصابة آمر الدبابة وسقوطه، ثم قيام المقاتل باعتلاء الدبابة وإلقاء القنبلة الفدائية داخلها، ما أدى إلى مقتل جندي خارجها وثلاثة من طاقمها في الداخل.

وأضاف الدويري في مقابلة متلفزة: "هذا العمل لا يمكن أن ينفذه إنسان عادي، بل يحتاج إلى إرادة وتصميم وجُرأة وشجاعة من طراز خاص. مهما اخترنا من مفردات لن توفي هذا المقاتل حقه، فقد تمكن من الوصول إلى دبابة تزن 60 طناً، مزودة بكل أنظمة الحماية، والتغلب على كل تلك الموانع لينفذ عمليته".

وأكد أن ما جرى ليس المرة الأولى التي ينجح فيها مقاتلو المقاومة في اختراق منظومات الحماية المعقدة للدبابات الإسرائيلية، لكنه يعكس مرة أخرى أن الإرادة البشرية حين تقترن بالتصميم والتكتيك قادرة على تجاوز أحدث وسائل التكنولوجيا العسكرية.

وعن تفاصيل تنفيذ العبوة داخل قمرة القيادة، بين الدويري أن القنبلة ألقيت داخل البرج وكانت المسافة الزمنية من القذف إلى الانفجار لا تتجاوز 10 إلى 15 ثانية. "هذا النوع من العبوات يُجهز بفتيل تفجير بطيء وبكبسولة تفجير ميكانيكية — وليس كهربائية — تُشغَّل عبر مشعل يشتعل بمجرد سحبه"، قال الدويري، موضحًا أن المقاتل يلقي العبوة ثم يبتعد بسرعة ما بين 15 و20 مترًا قبل حدوث الانفجار. وأكد أن هذه العملية "آنية" وتحفل بمخاطر هائلة لكل جانب، إذ تتطلب من منفذها سرعة وحسمًا في التقدير الزمني للمسافة والابتعاد.

المصدر / فلسطين أون لاين